للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشترط في وجوب الإنكار رؤية البصر بل المدار على العلم أبصر أم لا (منكم) معشر المكلفين القادرين المسلمين فهو خطاب لجميع الأمة حاضرها بالمشافهة وغائبها بطريق التبع (منكراً فليغيره) وجوباً بالشرع على الكفاية إن علم بذلك أكثر من واحد وإلا فهو فرض عين. ووجوبه بالكتاب والسنة (بيده) إن توقف تغييره عليها كتكسير أواني الخمر وآلات اللهو بشرطه الآتي (فإن لم يستطع) الإنكار بيده، بأن خشي لحاق ضرر ببدنه أو أخذ مال، وليس من عدم الاستطاعة مجرد الهيبة، وعلى ذلك حمل خبر الترمذي وغيره «ألا لا يمنعنّ رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه» (فبلسانه) أي: يقوله للمرتجي نفعه من نحو صياح واستغاثة وأمر من يفعل ذلك وتوبيخ وتذكير با وأليم عقابه مع لين وإغلاظ حيثما يكون أنفع، ولا فرق في وجوب الإنكار بين أن يكون الآمر ممتثلاً ما أمر به مجتنباً ما نهي عنه أو لا، ولا بين كون كلامه مؤثراً أو لا، وظاهر كلام المصنف الإجماع على ذلك فقول بعض بسقوط الوجوب عند العلم بعدم التأثير أخذاً من أحاديث تصرح بذلك ليس فيه محله، ولا بين كون الآمر ولياً أو غيره إجماعاً أخذاً بعموم «من» الشامل لذلك جميعه، نعم إن خشي من ترك استئذان الإمام مفسدة راجحة أو مساوية من انحرافه عليه بأن افتيات عليه لم يبعد وجوب استئذانه حينئذٍ. ويشترط لجواز الإنكار ألا يؤدي إلى شهر سلاح، فإن أدى إلى ذلك فلا يكون للعامة بل يربط بالسلطان، وشرطه وجوبه تارة وجوازه أخرى ألا يخاف على نفس ونحو عضو ومال له أو لغيره وإن قل، مفسدة فوق مفسدة المنكر الواقع، وإيجاب بعض العلماء الإنكار بكل حال وإن فعل المنكر وقبل منه غلوّ مخالف لظاهر هذا الحديث وغيره ولا حجة له فيما احتج به.

وإذا جاز التلفظ بكلمة الكفر عند الخوف أو الإكراه كما في الآية فليجز ترك الإنكار لذلك بالأولى، لأن الترك دون الفعل في القبح، ألا يغلب على ظنه أن المنهي يزيد فيها هو فيه عناداً، وأن يكون المنكر مجمعاً عليه أو يعتقد فاعله حرمته أو حله، أو ضعفت شبهته كنكاح المتعة، ولا ينافي ما تقرر من الوجوب قوله تعالى: {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} (المائدة: ١٠٥) لأنه سئل عنها، فقال: «ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك» الحديث.

ففيه تصريح بأن الآية محمولة على ما إذا عجز المنكر، ولا شك في سقوط الوجوب حينئذٍ، على أن معناها عند المحققين أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به

<<  <  ج: ص:  >  >>