للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (فلها ثلاثة شروط) جواب إن الشرطية (أحدها أن يقلع) بضم أوله: أي: يكف وينقطع (عن المعصية) التي كان متلبساً بها، إذ تستحيل التوبة مع مباشرة الذنب. وهذا قد يترك اشتراطه ويحمل على من يستحيل منه وقوع مثل تلك المعصية كمن زنى فجبّ، فهذا استحال منه الإقلاع المكتسب، وكذا العزم على ألا يفعله في المستقبل لأن فعله غير ممكن منه.

قال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام في «أماليه» : لا يجب على الإنسان ترك الشيء إلا إذا كان ممكنه فعله، إذ لا تكليف بترك المستحيل (والثاني) من الشروط (أن يندم على فعلها) من حيث إنها معصية، فلو ندم عليه لا من هذه الحيثية بل لأجل تلك الوجوه الآتية في الكلام على التوبة النصوح لم يعتد بندمه ونازع الغزالي في «منهاج العابدين» له في اشتراط الندم في مفهوم التوبة، ثم قال: وقيل المراد اشتراط ما يؤدي إليه من تذكر الذنب وشؤمه وعذاب الله وعقابه ونحو ذلك، لأن هذا في قدرته ومن كسبه، وهو يترتب عليه الندم الذي هو أمر طبيعي لا قدرة له على اكتسابه، والله أعلم (والثالث أن يعزم ألا يعود إليها) أي: إلى مثلها مطلقاً (أبداً) فلا يعود التائب من الرياء إلى مثله وهو الرياء، وإلا فالمعصية التي كان تلبس بها انقضت وزالت فلا يمكن العود إليها. هذا وزاد بعضهم اشتراط عدم صحبة من ارتكب معه المعصية بعد التوبة، وأن تكون التوبة تعالى خاصة.

قال ابن عبد السلام: استدرك السيف الآمدي على الناس قيداً آخر في التوبة التامة، وهو أن يكون الندم تعالى، احترازاً مما إذا قتل شخص ولده، فإنه يندم على الماضي لأجل كونه ولده. وأجيب بأن هذا ليس استدراكاً إذ الإخلاص شرط في كل عبادة، والناس يعنون بقولهم للتوبة ثلاثة أركان ما عدا الإخلاص اهـ. وأدرج ابن حجر الهيتمي هذا القيد في الشرط الأول وهو الإقلاع فقال: ترك الذنب تعالى، فلو تركه لخوف أو رياء أو غير ذلك من الأغراض التي لغير الله لم يعتد بتركه (فإن فقد أحد هذه الثلاثة) أي: واحد منها (لم تصح توبته) أي: التامة أما الناقصة فتصح مع فقد الإقلاع والعزم على عدم العود كما تقدم تمثيله، قيل: وعلى ذلك يحمل حديث «الندم توبة» وقيل: بل الحديث نظير حديث «الحج عرفة» أي: ركنها الأعظم، والله أعلم (وإن كانت المعصية) التي تريد التوبة منها (تتعلق بحق آدمي فشرطها أربعة) خبر عن قوله شرطها، وجاز الإخبار عنه بذلك لكونه مفرداً مضافاً إلى معرفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>