للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإلهي، وعطفهما على ما قبلهما تنزيلاً لهما منزلته في كون فعلهما غاية للقتال وللأمر به إيذاناً بأنهما أعظم العبادات البدنية والمالية، ومن ثم قدمهما على مقرهما لدخولهما تحت نطاق حتى الإسلام بشهادة إحدى روايتي أبي هريرة، فإنه لم يذكرهما فيها لأنهما من حقه ولم يخصهما في روايته الأخرى، بل قال: ويؤمنوا بما جئت به، ولم يذكر الصوم والحج إما لكونهما لم يفرضا حينئذٍ، وإما لكونهما لا قتال على تركهما، إذ تارك الصوم يحبس ويمنع المفطر والحج على التراخي، وحتى هنا جارة لأن ما قبلها غير ما بعدها، وهو غاية للقتال ومتضمن لمعنى الشرط فالكفّ عن قتالهم مشروط بذلك منتف بانتفائه، كأنه قيل: إن

شهدوا وصلوا وآتوا الزكاة كففت عنهم بشهادة الآية السابقة (فإذا فعلوا ذلك) غلب فيه الفعل على القول إذ الشهادة قول إلا أن يقال: هي عمل اللسان فهو فعل: أي فإن أتوا بذلك (عصموا) أي منعوا وحقنوا (مني دماءهم) جمع دم وأصله دمو (وأموالهم إلا بحق الإسلام) استثناء مفرغ من عام والعصمة متضمنة لنفيه ليصح تفريغ الاستثناء إذ هو شرطه: أي لا تهدر دماؤهم ولا تستباح أموالهم بسبب من الأسباب إلا بحقه كفعل الواجبات وترك المنهيات فإنها واجبة بحقه، وقد التزمها المسلمون بإسلامهم، فإن فعلوا واجتنبوا بنية صالحة فمؤمنون، أو تقية وخوفاً حقنوا ذلك وعصموه (وحسابهم على ا) أي إليه (تعالى) ما يخفون وما يسترون من عقائدهم لا ما يظهرون بل يعاملون بما يقتضيه. وحاصله تفويض أمر بواطنهم إليه سبحانه لأنه الذي يتولى خبايا أسرارهم وخفايا ضمائرهم من إيمان وكفر ونفاق، وأما الرسول فإنما أمر أن يحكم بظواهر أفعالهم وأقوالهم، ولفظ «علي» وإن كانت مشعرة بالإيجاب فهو على سبيل التشبيه البليغ: أي هو كالواجب عليه تعالى بمقتضى إخباره بوقوعه حذراً من الخلف في أخباره تعالى شرعاً بمقتضى وعده فلا يخلف الميعاد خلافاً لقول المعتزلة بوجوبه عليه عقلاً (متفق عليه) ورواه الأربعة عن أبي هريرة وهو متواتر، كذا في «الجامع الصغير» للسيوطي وفي «قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة» للسيوطي. أخرج الشيخان عن ابن عمر وأبي هريرة ومسلم عن جابر ابن عبد الله وابن أبي شيبة في «المصنف» عن أبي بكر الصديق وعمر وابن أويس وجرير البجلي والطبراني عن أنس

<<  <  ج: ص:  >  >>