للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

[الشبهة الثامنة]

حسب القرآن وأقوال المفسرين، ألقى نمروذ بإبراهيم فى النار [٢١: ٦٨ ـ ٦٩] ، وليس من المعقول أن يكون نمروذ حياً فى زمن إبراهيم ـ عليه السلام [الكتاب المقدس: سفر التكوين: ٨: ١٠ ـ ١١، ١٠: ٢٢ ـ ٢٥، ١١: ١٣ ـ ٢٦] .

الجواب:

فى قصص القرآن الكريم عن إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ مشاهد عديدة.. منها معجزة نجاته من التحريق بالنار، بعد أن حطم أصنام قومه التى يعبدون: (قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين. قلنا: يا نار كونى برداً وسلاماً على إبراهيم. وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين) [الأنبياء: ٦٨ ـ ٧٠] .

ويحكى القرآن " محاجة " إبراهيم للملك ـ فى سورة البقرة ـ: (ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم فى ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم: ربى الذى يحيى ويميت، قال: أنا أحيى وأميت، قال إبراهيم: فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذى كفر، والله لا يهدى القوم الظالمين) [البقرة: ٢٥٨] .

والقرآن الكريم لم يسم الملك الذى حاج إبراهيم فى ربه.. لأن قصد القرآن من القصص هو مضمون المحاجة، والعبرة منها، واسم الملك لا يقدم ولا يؤخر فى المضمون والعبرة.. أما تسمية هذا الملك ـ الذى حاجه إبراهيم ـ بـ (النمروذ) والاختلاف فى نطق اسمه، ومدة ملكه.. فجميعها قصص تاريخى، أورده المفسرون.. فهو غير ملزم للقرآن الكريم [القرطبى ج ٣ ص ٢٨٣ ـ ٢٨٥، والكشاف ج ١ ص ٣٨٧ ـ ٣٨٩] .

ومن ثم لا يصح أن يورد ذلك كشبهة تثار ضد القرآن.. فليس لدينا فى التاريخ الموثق والمحقق ما يثبت أو ينفى أن اسم الملك الذى حاج إبراهيم الخليل فى ربه هو (النمروذ) .. وإنما هو قصص تاريخى يحتاج إلى تحقيق.

ولقد راجعت العهد القديم، فى المواضع التى جاء ذكرها فى السؤال [سفر التكوين: ٨: ١٠، ١١، ١٠: ٢٢ ـ ٢٥، ١١: ١٣ ـ ٢٦] وهى تحكى عن قبائل نوح، ومواليد ابنه سام، فلم أجد فيها ذكراً للملك (النمروذ) .

وفى (دائرة المعارف الإسلامية) التى كتبها المستشرقون، وقد حرر مادة (إبراهيم) فيها (ج. ايزبرغ) ، يأتى ذكر الملك نمروذ فى قصة إبراهيم دون اعتراض، وفى أثنائها إشارات إلى مصادر عبرية أشارت إلى النمروذ، منها (دلالة الحائرين) لموسى بن ميمون: الفصل ٢٩.. ومنها (سفر هياشار) : فصل نوح..

وتأتى الإشارة إلى (نمروذ) الملك فى سفر التكوين ـ بالعهد القديم ـ الأصحاح ١٠: ٨ ـ ١١ باعتباره " الذى ابتدأ يكون جباراً فى الأرض ".. وبه كان يضرب المثل فى التجبر.. " وان ابتداء مملكته بابل وآرك وأكد وكلنة من أرض شنغار. من تلك الأرض خرج أشور وبنى نينوى.. " الخ.. الخ.

وأخيراً.. فليس هناك ما يمنع تكرار الاسم ـ (نمروذ) ـ لأكثر من ملك فى أكثر من عصر وتاريخ.. ويبقى أن الشبهة ـ إذا كانت هناك شبهة ـ خاصة بالقصص التاريخى.. ولا علاقة لها بالقرآن الكريم.

السابق التالي

<<  <   >  >>