للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

[الشبهة العاشرة]

تغرب الشمس فى عين حمئة حسب القرآن [١٨: ٨٦] ، وهذا مخالف للعلم الثابت. فكيف يقال: إن القرآن لا يتناقض مع الحقائق العلمية الثابتة؟

الجواب:

فى حكاية القرآن الكريم لنبأ (ذى القرنين) حديث عن أنه إبان رحلته (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئة ووجد عندها قوماً) [الكهف: ٨٦] .

والعين الحمئة هى عين الماء ذات الحمأ، أى ذات الطين الأسود المنتن.

ولما كان العلم الثابت قد قطعت حقائقه بأن الأرض كروية، وأنها تدور حول نفسها وحول الشمس، فإن غروب الشمس ليس اختفاء فى عين أو غير عين، حمئة أو غير حمئة.. والسؤال: هل هناك تعارض بين حقائق هذا العلم الثابت وبين النص القرآنى؟

ليس هناك أدنى تعارض ـ ولا حتى شبهة تعارض ـ بين النص القرآنى وبين الحقائق العلمية.. ذلك أن حديث القرآن هنا هو عن الرؤية البصرية للقوم الذين ذهب إليهم ذو القرنين، فمنتهى أفق بصرهم قد جعلهم يرون اختفاء الشمس ـ غروبها ـ فى هذه البحيرة (العين الحمئة) .. وذلك مثل من يجلس منا على شاطئ البحر عند غروب الشمس، فإن أفق بصره يجعله يرى قرص الشمس يغوص ـ رويداً رويداً ـ فى قلب ماء البحر..

فالحكاية هنا عن ما يحسبه الرائى غروباً فى العين الحمئة، أو فى البحر المحيط.. وليست الحكاية عن إخبار القرآن بالحقيقة العلمية الخاصة بدوران الأرض حول الشمس، وعن ماذا يعنيه العلم فى مسألة الغروب.

وقد نقل القفال أبو بكر الشاشى محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر (٤٢٩ ـ ٥٠٧ هـ / ١٠٣٧ ـ ١١١٤ م) عن بعض العلماء تفسيراً ـ لهذه الرؤية ـ متسقاً مع الحقيقة العلمية، فقال: " ليس المراد أنه [أى ذى القرنين] انتهى إلى الشمس مشرقاً ومغرباً حتى وصل إلى جرمها ومسها.. فهى أعظم من أن تدخل فى عين من عيون الأرض، بل هى أكبر من الأرض أضعافاً مضاعفة، وإنما المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة [أى البقاع المعمورة والمأهولة] من جهة المغرب ومن جهة المشرق، فوجدها فى رأى العين تغرب فى عين حمئة، كما أنا نشاهدها فى الأرض الملساء كأنها تدخل فى الأرض، ولهذا قال: (وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً) [الكهف ٩٠] ، ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم، بل أراد أنهم أول من تطلع عليهم.. " [القرطبى ج ١١ ص ٤٩، ٥٠] .

فالوصف هو لرؤية العين، وثقافة الرائى.. وليس للحقيقة العلمية الخاصة بالشمس فى علاقتها بالأرض ودورانها، وحقيقة المعنى العلمى للشروق والغروب.

فلا تناقض بين النص القرآنى وبين الثابت من حقائق العلوم.

السابق التالي

<<  <   >  >>