للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الله لا يؤاخذ عباده بعدم القيام بشكر النعم لذكره المغفرة والرحمة عقب قوله بهذه الآية، أي ما تحدِّثُون به أنفسكم، وليس المراد السر في اصطلاح الفقهاء.

وتضمنت الآية الإشعار باتصاف الله تعالى بالقدرة والعلم، فالقدرة بقوله:

(أفَمَنْ يَخْلُق كَمَنْ لا يَخْلُق) ، وهذا للعلم.

وعطف (ما يسرون وما يعلنون) للتسوية، فهو أمر استَأثر اللهُ به، كما قال: (إنَّ الله عنده عِلْمُ الساعة) .

(وإنَّ لكم في الأنْعام لَعِبْرَةً) :

لما كان التفكر منفعة عامة في العاقل وغيره أعقبه بالمنفعة الخاصة بالعاقل، وأكّده بأنّ واللام لغفلة المخاطب عن الاعتبار والتذكر، لا لكونه منكراً لذلك.

وقد قدمنا في حرف الفاء أن زيادة لكم تنبيه على العبرة، والعبرة يُرَاد بها الاتّعاظ، لقوله: (فاعتبروا يَا أولِي الأبصار) .

(ومما يَعْرِشون) :

قد قدَّمنا أن الله تعالى أوحى إلى النحل أَنْ تتخذ البيوت في الجبال والشجرِ وبيوتِ الناس حيث يعرشون، أي يبنون العروش، فلا ترى للنحل بيوتاً في غير هذه الثلاثة ألبتَّة.

وتأمل كيف كان أكثر بيوتها في الجبال، وهو المتقدم في الآية، وفي الأشجار

وهي دون ذلك، ومما يعرش الناس، وهي أقلّ بيوتها.

وانطرْ كيف رآها حسنة الامتثال إلى أن اتّخَذَت البيوتَ قبل المرعى فهي

تَتخذها أولاً، فإذا استقرَّ لها بيتٌ خرجت منه وَرَعَتْ، فأكلت من كلِّ

الثمرات، ثم أوت إلى بيوتها، لأن ربَّها سبحانه أمرها باتخاذ البيوت أولاً، ثم

بالأكل بعد ذلك.

قال في عجائب المخلوقات: يقال ليوم عيد الفطر يوم الرحمة، إذ فيه أوحى

الله إلى النحل صنعةَ العسل.

قال الغزالي: لؤ تأملت عجائبَ أمرها في تناولها الأزهار والأنوار واحترازها من النجاسات والأقذار وطاعتها لواحدٍ من جملتها، وهو أكبرها شخصا، وهو أميرها، ثم ما سخّر اللَّهُ له من أمرها من العدل

<<  <  ج: ص:  >  >>