للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة الصافات]

قوله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً} ١ ومعنى جمع التأنيث في ذلك كله الفِرَق والطوائف والجماعات، التي مفردها فرقة، وطائفة، وجماعة٢.

قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ٣. لا نقول: أن (ما) مصدرية، أي: خلقكم وعملكم؛ إذ سياق الآية يأباه؛ لأن إبراهيم عليه السلام إنما أنكر عليهم عبادة المنحوت، لا النحت، والآية تدل على أن المنحوت مخلوق لله تعالى، وهو ما صار منحوتاً إلا بفعلهم، فيكون ما هو من آثار فعلهم مخلوقاً لله تعالى، ولو لم يكن النحت مخلوقاً لله تعالى، لم يكن المنحوت مخلوقاً له، بل الخشب أو الحجر لا غير٤.


١ سورة الصافات، الآية: ١- ٣.
٢ انظر شرح العقيدة الطحاوية، ص (٤٠٧) . وقد ذكر بعض المفسرين في سبب تأنيثها بعض ما ذكر المؤلف هنا. انظر التسهيل (٣/٣٦٦) ، ونظم الدرر (١٦/١٨٧) ، وروح المعاني (٢٣/٦٤) .
٣ سورة الصافات، الآية: ٩٦.
٤ شرح العقيدة الطحاوية، ص (٦٤٣، ٦٤٤) والذي فهمت من كلام المؤلف أنه يستبعد إعراب (ما) مصدرية. وهذا رأي شيخ الإسلام، وكذلك ابن القيم. انظر مجموع الفتاوى (٨/٧٩) ، وبدائع الفوائد (١/ ١٤٦-١٥٣) . والحقيقة أن أشهر إعرابين لـ (ما) هما المصدرية والموصولية، والمعنى واضح على كلا الإعرابين. قال الإمام ابن كثير: (يحتمل أن تكون ما مصدرية فيكون تقدير الكلام خلقكم وعملكم، ويحتمل أن تكون بمعنى الذي، وتقديره: والله خلقكم والذي تعملونه وكلا القولين متلازم، والأول أظهر؛ لما رواه البخاري في كتاب أفعال العباد. عن ربعي بن حراش رضي الله عنه مرفوعاً، قال: (إن الله تعالى يصنع كل صانع وصنعته) . تفسير القرآن العظيم (٤/١٤) .
قلت: لعل الذي أثار المعركة فيها إنما هم المعتزلة الذين ينفون أن تكون جميع الأشياء مخلوقة لله تعالى. انظر الكشاف (٣/٣٤٥، ٣٤٦) فقد أطال في رد إعرابها مصدرية، وانتصف منه صاحب الانتصاف.
والذين مالوا إلى إعرابها موصولة ـ من أهل السنة ـ مقصودهم حسن، فكأنهم يرون أن سياق القرآن يؤيد هذا الإعراب، مع أنه لا حجة فيها للمعتزلة في حال إعرابها موصولة، أضف إلى ذلك أن السلف ـ ومنهم ابن تيمية وابن القيم ـ يخشون من المبالغة في نفي الفعل عن العبد فإن ذلك يؤدي إلى القول بالجبر، وهو نقيض قول أهل القدر، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم. وقد أطال الإمام مكي في الانتصار لإعرابها مصدرية، وذلك في كتابه مشكل إعراب القرآن (٢/٦١٥، ٦١٦) وكذلك فعل أبو القاسم السهيلي. انظر بدائع الفوائد (١/١٤٦، ١٤٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>