للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٠٨ - حدَّثنا الحُسينُ بنُ إسحاقَ التُّستَريُّ، ثنا عليُّ بنُ بَحْرٍ، ثنا إسماعيلُ بنُ عبدِالكريمِ، حدَّثني عبدُالصَّمدِ بنُ مَعْقِلٍ، قال: سَمِعتُ ⦗١٦٤⦘ وَهْبًا يقول: حدَّثني النُّعمانُ بنُ بَشيرٍ؛ أنَّهُ سَمِعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الرَّقِيمَ (١) ؛ قال: «إِنَّ ثَلاثَةَ نَفَرٍ كَانُوا فِي كَهْفٍ، فَوَقَعَ الْجَبَلُ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ فَأَوْطَدَهُ (*) عَلَيْهِمْ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: تَذَكَّرُوا أَيُّكُمْ عَمِلَ حَسَنَةً لَعَلَّ اللهَ يَرْحَمُهُ بِرَحْمَتِهِ.

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: قَدْ عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً؛ كَانَ لِي أُجَرَاءُ يَعْمَلُونَ عَمَلاً لِي، فَاسْتَأْجَرْتُ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَجَاءَنِي رَجُلٌ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَطَ ⦗١٦٥⦘ النَّهَارِ، فَاسْتَأْجَرْتُهُ بِشَرْطِ أَصْحَابِهِ، فَعَمِلَ فِي بَقِيَّةِ نَهَارِهِ كَمَا عَمِلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي نَهَارِهِ كُلِّهِ، فَرَأَيْتُ فِي الذِّمَامِ (*) أَلَاّ أَنْقُصَهُ مِمَّا اسْتَأْجَرْتُ بِهِ أَصْحَابَهُ؛ لِمَا جَهَدَ فِي عَمَلِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَعْطَيْتَ هَذَا مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَنِي وَلَمْ يَعْمَلْ إِلَاّ نِصْفَ النَّهَارِ؟! قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ! لَمْ أَبْخَسْكَ شَيْئًا مِنْ شَرْطِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالِي أَحْكُمُ فِيهِ بِمَا شِئْتُ. فَغَضِبَ وَذَهَبَ وَتَرَكَ أَجْرَهُ، فَوَضَعْتُ حَقَّهُ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ مَرَّتْ بِي بَعْدَ ذَلِكَ بَقَرٌ، فَاشْتَرَيْتُ بِهِ فَصِيلَةً مِنَ الْبَقَرِ، فَبَلَغَتْ مَا شَاءَ اللهُ، فَمَرَّ بِي بَعْدَ حِينٍ شَيْخٌ ضَعِيفٌ لَا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ: إِنَّ لِي عِنْدَكَ حَقًّا. فَذَكَرَهُ حَتَّى عَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: إِيَّاكَ أَبْغِي، هَذَا حَقُّكَ. فَعَرَضْتُهَا عَلَيْهِ جَمِيعًا. فَقَالَ: يَا عَبْدَاللهِ أَتَسْخَرُ بِي؟! إِنْ لَمْ تَصَدَّقْ عَلَيَّ فَأَعْطِنِي حَقِّي. قُلْتُ: وَاللهِ مَا أَسْخَرُ بِكَ، إِنَّهَا حَقُّكَ، مَا لِي مِنْهَا شَيْءٌ. فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ جَمِيعًا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا. فَانْصَدَعَ الْجَبَلُ حَتَّى رَأَوُا الضَّوْءَ وَأَبْصَرُوا.

وَقَالَ الآخَرُ: قَدْ عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً؛ كَانَ لِي فَضْلٌ، فَأَصَابَ النَّاسَ شِدَّةٌ، فَجَاءَتْنِي امْرَأَةٌ تَطْلُبُ مِنِّي مَعْرُوفًا، فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ. فَأَبَتْ عَلَيَّ، فَذَهَبَتْ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَذَكَّرَتْنِي بِاللهِ وَأَبَيْتُ عَلَيْهَا، وَقُلْتُ: لا وَاللهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ. فَأَبَتْ عَلَيَّ، وَهَبَّتْ (٢) فَذَكَرَتْ ⦗١٦٦⦘ لِزَوْجِهَا، فَقَالَ لَهَا: أَعْطِيهِ نَفْسَكِ وَأَغْنِي عِيَالَكِ. فَرَجَعَتْ إِلَيَّ فَنَشَدَتْنِي (٣) بِاللهِ، فَأَبَيْتُ عَلَيْهَا، وَقُلْتُ: وَاللهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ. فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَسْلَمَتْ إِلَيَّ نَفْسَهَا، فَلَمَّا كَشَفْتُهَا أَرْعَدَتْ مِنْ تَحْتِي، فَقُلْتُ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ فَقَالَتْ: أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. فَقُلْتُ لَهَا: خِفْتِيهِ (٤) فِي الشِّدَّةِ وَلَمْ أَخَفْهُ فِي الرَّخَاءِ! فَتَرَكْتُهَا وَأَعْطَيْتُهَا بِالْحَقِّ (٥) عَلَيَّ بِمَا كَشَفْتُهَا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا. قَالَ: فَانْصَدَعَ حَتَّى عَرَفُوا وَتَبَيَّنَ لَهُمْ.

وَقَالَ الآخَرُ: قَدْ عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً؛ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكَانَتْ لِي غَنَمٌ وَكُنْتُ أُطْعِمُ أَبَوَيَّ وَأَسْقِيهِمَا، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى غَنَمِي، فَأَصَابَنِي يَوْمًا غَيْثٌ حَبَسَنِي، فَلَمْ أَرُحْ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَأَتَيْتُ فَأَخَذْتُ مِحْلَبِي فَحَلَبْتُ وَغَنَمِي قَائِمَةٌ، فَمَضَيْتُ إِلَى أَبَوَيَّ فَوَجَدتُّهُمَا قَدْ نَامَا، فَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَ غَنَمِي، فَمَا بَرِحْتُ ⦗١٦٧⦘ جَالِسًا وَمِحْلَبِي عَلَى يَدَيَّ حَتَّى أَيْقَظَهُمَا الصُّبْحُ فَسَقَيْتُهُمَا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا» .

قال النُّعمانُ: كأنِّي أَسمعُ هذه من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «قَالَ الْجَبَلُ: طَاق طَاق (٦) . فَفَرَّجَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا» .


[٢٠٨] أخرجه المصنف في "الدعاء" (١٩٠) ، وفي "الأحاديث الطوال" (٤١) ؛ بهذا الإسناد.
وأخرجه الإمام أحمد (٤/٢٧٤- ٢٧٥ رقم ١٨٤١٧) ، وابن أبي الدنيا في "مجابي الدعوة" (٨) ، والبزار (٣٢٩١) ، وأبو عوانة (٥٥٧٢) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (٢٠٢٨) ، وابن جُمَيْع في "معجم الشيوخ" (١/٢٠٥- ٢٠٦) ؛ من طريق إسماعيل بن عبد الكريم، به. ⦗١٦٤⦘
(١) الظاهر: أنَّ المراد: يذكُرُ الرَّقِيمَ المذكورَ في قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا *} [الكهف: ٩] ؛ فيكونُ «الرقيمُ» المذكورُ في هذه السورةِ هو المرادَ في هذا الحديثِ، وهو الغارُ الذي دخَلَهُ هؤلاءِ الثلاثة، وأصابهم فيه ما أصابهم؛ وإلى ذلك مَيْلُ الحافظ ابن حَجَر، وقد استظهَرَهُ من صنيع البخاري؛ فقد قال في "الفتح" (٦/٥٠٦) : «عَقَّبَ المصنِّفُ [يعني: البخاريَّ] قِصَّةَ أصحابِ الكَهْفِ بحديثِ الغَارِ؛ إشارةً إلى ما ورَدَ أنَّهُ قد قِيلَ: إنَّ الرَّقِيمَ المذكورَ في قولِهِ تعالَى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} ، هو: الغارُ الذي أَصَابَ فيه الثلاثةَ ما أصابَهُمْ؛ وذلك فيما أخرَجَهُ البَزَّارُ والطَّبَرَانيُّ بإسنادٍ حَسَنٍ، عن النُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ؛ أنه سَمِعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الرَّقِيمَ ... فذكَرَ الحديثَ» . اهـ. ولم يتعقَّبه بشيء.
وذكره السِّنْدِيُّ في حاشيته على "مسند الإمام أحمد" (٤/٢٧٥ رقم ١٨٤١٧- طبعة الرسالة) . وتعقَّبه محقِّقو "المسند"، وقولُهُمْ خلافُ الظاهر، كما أنهم لم يذكُرُوا له دليلاً، فلا يسلَّم لهم، والله أعلم.
وعلى ذلك فـ «أَلْ» في قوله: «يذكُرُ الرقيمَ» للعَهْدِ الذِّهْني، ومثلُهَا ما في قوله تعالى: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التّوبَة: ٤٠] ؛ إشارةً إلى الغارِ المعهودِ المعروف، وهو غَارُ ثَوْر. وانظر في «أَلْ» وأنواعها: "مغني اللبيب" لابن هشام (ص٦٢) .
هذا؛ وقد اختلَفَ المفسِّرون في معنى «الرقيم» المذكور في السورة الكريمة؛ على ثمانية أقوال. انظرها في كتب التفسير و"تاج العروس" (رقم) .
(*) تقدم تفسيره في الحديث رقم [٢٠٦] . ⦗١٦٥⦘
(٢) هَبَّ: نَهَض، وأَسْرع، ونَشِطَ. انظر: "تاج العروس" (٢/٤٨٢/هبب) . والمراد: أنها قامت وذهبت؛ وجاء في لفظ الحديث عند «الإمام أحمد» والمصنف في "الدعاء": «وذهبت» أو «فذهبت» . والمعنى واحدٌ. ويمكن أن تكون «وَهَبَّتْ» هنا مصحَّفًا عن «وذهبت» . ⦗١٦٦⦘
(٣) تقدم تفسيره في الحديث رقم [٣٤] .
(٤) كذا في الأصل: «خِفْتِيهِ» بإشباع كسرة تاء المخاطبة المؤنثة، وهي لغةٌ لبعض العرب؛ قال سيبويه: «وحدثني الخليل أن ناسًا يقولون: «ضَرَبْتِيهِ» فيلحقون الياء، وهذه قليلة» اهـ. والمشهور: «خِفْتِهِ» بكسر التاء دون ياء. وانظر: "كتاب سيبويه" (٤/٢٠٠) ، و"طَلِبَة الطَّلَبَة" للنَّسَفي (ص٢٣٣) ، و"مجمع الأمثال" للميداني (٢/١٩٥) .
(٥) كذا في الأصل، وفي "الدعاء": «الحق» ، وفي "مسند الإمام أحمد": «ما يحق» . وما في "المسند" و"الدعاء" متقارب المعنى؛ ويكون: «ما يحق» و «الحق» في موضعِ مفعولٍ به ثانٍ لـ «أعطيتُ» . وأما ما وقع هنا فإن لم يكن مصحَّفًا عما في "المسند" أو "الدعاء"، فإن الباءَ فيه تكون سببية، ويكون المفعول محذوفًا، أي: فأعطيتها مالاً بسبب الحق الذي عليَّ بسببِ كَشْفها. ⦗١٦٧⦘
(٦) تقدَّم تفسيرُهُ في التعليق على الحديث رقم [٢٠٦] .

<<  <   >  >>