للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

{يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ} إثرَ ما بيّن حكمَ القتلِ بقسميه وأن ما يُتصوّر صدورُه عن المؤمن إنما هو القتلُ خطأً شرَعَ في التحذير عَمَّا يؤدَّي إليهِ منَ قلة المبالاةِ في الأمور

{إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ الله} أي سافرتم في الغزو ولِمَا في إذا من معنى الشرطِ صُدِّر قولُه تعالى

{فتبينوا} بالفاء أى فاطلُبوا بيانَ الأمرِ في كل ما تأتون وما تذرون ولا تعجَلوا فيه بغير تدبر وروية وقرئ فتثبّتوا أي اطلُبوا إثباته وقوله تعالى

{وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السلام} نهيٌ عما هو نتيجةٌ لترك المأمورِ به وتعيينٌ لمادّة مُهمّةٍ من الموادّ التي يجب فيها التبيينُ وقرئ السِّلْمَ بغير ألف وبكسر السين وسكون اللام أي لا تقولوا بغير تأمل لمن حياكم بتحية الإسلامِ أو لمن ألقى إليكم مقاليدَ الاستسلام والانقيادِ

{لَسْتَ مُؤْمِناً} وإنما أظهرتَ ما أظهرتَ متعوِّذاً بلِ اقبَلوا منه ما أظهره وعاملوه بموجبه وقرئ مُؤمَناً بالفتح أي مبذولاً لك الأمانُ وهذا أنسبُ بالقراءتين الأخرتين ولاقتصار على ذكر تحيةِ الإسلامِ في القراءة الأولى مع كونها مقرونةً بكلمتي الشهادةِ كما سيأتي في سبب النزول للمبالغة في النهي والزجرِ والتنبيهِ على كمال ظهورِ خطئِهم ببيان أن تحية الإسلامِ كانت كافيةً في المُكافّة والانزجارِ عن التعرض لصاحبها فكيف وهي مقرونةٌ بهما وقوله تعالى

{تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحياة الدنيا} حال من فاعل لاتقولوا منبئ عما يحمِلُهم على العَجَلة وتركِ التأنّي لكن لا على أن يكون النهيُ راجعاً إلى القيد فقط كما في قولك لا تطلُبَ العلمَ تبتغي به الجاهَ بل إليهما جميعاً أي لا تقولوا له ذلك حالَ كونِكم طالبين لمالِه الذي هو حُطامٌ سريع النفاذ وقولُه تعالى

{فَعِنْدَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} تعليلٌ للنهي عن ابتغاء مالِه بما فيه من الوعد الضِّمني كأنه قيل لا تبتغوا مالَه فعند الله مغانمُ كثيرةٌ يُغنِمُكموها فيغنيكم عن ارتكاب ما ارتكبتموه وقولُه تعالى

{كذلك كُنتُمْ مّن قَبْلُ فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ} تعليلٌ للنهي عن القول المذكورِ ولعل تأخيرَه لما فيه من نوع تفصيل ربَّما يُخلُّ تقديمُه بتجاوب أطرافِ النظمِ الكريم مع مافيه من مراعاة المقارنةِ بين التعليلِ السابقِ وبين ما عُلِّل به كما في قوله تعالى {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ} الخ وتقديمُ خبرِ كان للقصر المفيد لتأكيد المشابهةِ بين طرفي التشبيهِ وذلك إشارةٌ إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلةِ والفاء في فمن للعطف على كنتم أي مثلَ ذلك الذي ألقى إليكم السلامَ كنتم أنتم أيضا في مبادى إسلامكم لايظهر منكم للناس غيرُ ما ظهر منه لكم من تحية الإسلامِ ونحوِها فمنّ الله عليكم بأن قبل منكم تلك المرتبةَ وعصَم بها دماءَكم وأموالَكم ولم يأمُرْ بالتفحُّص عن سرائركم والفاء في قوله تعالى

{فَتَبَيَّنُواْ}

<<  <  ج: ص:  >  >>