للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مراحل جمع القرآن وكتابته]

١- جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

لم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ القرآن وإقرائه لأصحابه وحفظهم له، بل جمع إلى ذلك كتابته وتقييده في السطور، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم كتّاب يكتبون الوحي من الصحابة، فكان إذا نزل، على النبي صلى الله وسلم شيء دعى بعض من يكتب فيأمره بكتابة ما نزل، ويرشده إلى موضعه على حسب ما كان يرشده إليه أمين الوحي جبريل عليه السلام.

ولم تكن أدوات الكتابة ميسرة في ذلك الوقت، فلذلك كانوا يكتبونه على حسب ما تيسر لهم في الرقاع والعسب (جريد النخيل) والأكتاف (العظام) وغير ذلك. وقد كان القرآن كله مكتوباً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان مفرقاً.

السبب الباعث على كتابة القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

أ?. معاضدة المكتوب للمحفوظ، لتتوفر للقرآن كل عوامل الحفظ والبقاء، ولذا كان المعول عليه عند الجمع، الحفظ والكتابة.

ب?. تبليغ الوحي على الوجه الأكمل، لأن الاعتماد على حفظ الصحابة فحسب غير كاف لأنهم عرضة للنسيان أو الموت، وأما الكتابة فباقية لا تزول.

٢- جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) :

لما تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، كان أول عمل قام به محاربة أهل الردة والقضاء عليهم، وبذلك أقام عمود الإسلام وثبت دعائمه بعد أن كادت تتقوض. ولما وقعت معركة اليمامة سنة اثنتي عشرة للهجرة، وكثر القتل في الصحابة، ومات من حفاظ القرآن خلق كثير خشي الفاروق عمر رضي الله عنه أن يكثر القتل في القراء في بقية المواطن فيضيع القرآن بموتهم، فأشار على أبي بكر الصديق أن يجمع القرآن الكريم في مكان واحد وصحف مجموعة، بدل وجوده مفرقاً مفرقاً في العسب والرقاع وغيرها

تردد أبو بكر أول الأمر، ولم يزل به الفاروق عمر حتى وافق وقال هو خير، فأرسل الصديق إلى زيد بن ثابت وندبه للقيام بهذا العمل الجليل، وتردد زيد أول الأمر ثم شرح الله صدره لذلك. وقصة جمعه للقرآن عند البخاري مفصلة، وفيها أن زيداً قال بعدما عهد إليه الصديق والفاروق بجمع القرآن: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.

وكان زيد لا يقبل المكتوب إلا بشاهدين يشهدان أن المكتوب كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، أو يوافق المكتوب المحفوظ في الصدور، وبالغ زيد في التوثيق في كتابة القرآن الكريم حتى جمعه كله.

والصحف التي جمعها زيد كانت عند أبي بكر الصديق حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة أم المؤمنين، ثم طلب الصحف منها عثمان بن عفان رضي الله عنه ليجمع القرآن في مصحف واحد.

مزايا جمع القرآن في عهد الصديق رضي الله عنه:

١. أنه جمع على أدق وجوه البحث والتحري وأسلم أصول التثبت العلمي.

٢. أنه اقتصر على ما لم تنسخ تلاوته وجرّده من كل ما ليس بقرآن.

٣. أنه كان مرتب الآيات على الوضع الذي نقرؤه اليوم، ولم يكن مرتب السور فكانت كل سوره مستقلة بنفسها في مصحف، ثم جمعت هذه الصحف وضم بعضها إلى بعض.

٣- جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه:

لما كان عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وتفرق الصحابة في البلدان وحمل كل منهم من القراءات ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يكون عند أحدهم من القراءات ما ليس عند غيره، اختلف الناس في القراءات وصار كل قارئ ينتصر لقراءته ويخطئ قراءة غيره، وعظم الأمر واشتد الخلاف، فأفزع ذلك عثمان رضي الله عنه، وخشى عواقب هذا الاختلاف السيئة في التقليل من الثقة بالقرآن الكريم وقراءاته الثابتة.

فأرسل إلى حفصة أم المؤمنين حيث كانت عندها الصحف التي جمعت في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وطلب منها الصحف لتكون أساساً في جمع القرآن جمعاً يمنع الاختلاف والتنازع.

وعهد عثمان إلى زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث أن ينسخوا الصحف في مصاحف، وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. فقاموا بمهمتهم خير قيام وكتبوا المصاحف، مرتبة السور على الوجه المعروف اليوم.

ثم أرسل عثمان إلى كل مصر من الأمصار المشهورة بمصحف ليجتمع الناس في القراءة عليه، تلافياً لما حدث في ذلك الوقت من الاختلاف والتنازع، وأمر بحرق ما سواها من المصاحف، ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها.

المراجع:

الإتقان للإمام السيوطي.

مناهل العرفان للشيخ الزرقاني.

المدخل لدراسة القرآن للدكتور محمد أبوشهبة.

<<  <   >  >>