للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مناهج التفسير]

للتفسير منهجان أساسيان هما:

١- التفسير بالمأثور.

٢- التفسير بالرأي.

أولاً: التفسير بالمأثور، وأهم المؤلفات فيه:

التفسير بالمأثور هو بيان معنى الآية بما ورد في الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة رضي الله عنهم فهو تفسير يعتمد على صحيح المنقول، ولا يجتهد في بيان معنى من غير دليل، ويتوقف عما لا فائدة في معرفته.

مكانته:

هو أفضل أنواع التفسير وأعلاها، لأن التفسير بالمأثور إما أن يكون تفسيراً للقرآن بكلام الله تعالى، فهو أعلم بمراده، وإما أن يكون تفسيراً بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو المبين لكلام الله تعالى، وإما أن يكون بأقوال الصحابة فهم الذين شاهدوا التنزيل وعاصروه، وهم أهل اللغة وأربابها.

مصادره:

١- القرآن:

تفسير القرآن بالقرآن أفضل طرق التفسير، ومن أمثلته تفسير الكلمات في قوله تعالى: (فَتَلقّى ءادمُ من رّبهِ كلمتٍ) (البقرة ٣٧) ، بقوله تعالى: (رَبّنا ظلمنا أنفُسَنَا وإن لّم تغفر لَنَا وتَرحَمنَا لنَكُونَن من الخاسرين) (الأعراف ٢٣) .

٢- السّنّة:

قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (النحل ٤٤) ، وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: السنة تفسر القرآن وتبينه.

ومن أمثلة تفسير القرآن بالسنة، تفسير المغضوب عليهم باليهود، والضالين بالنصارى. وتفسير الخيط الأبيض والخيط الأسود بأنه بياض النهار وسواد الليل.

٣- أقوال الصحابة:

وإذا لم تجد تفسير القرآن في القرآن، ولا في السنة، فعليك بتفسير الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم أعلم بذلك لما اختصوا به في مجالسة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومشاهدة القرائن والأحداث والوقائع.

٤- أقوال التابعين:

وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في الرجوع إلى أقوال التابعين إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا في أقوال الصحابة، فمنهم من عدّ أقوال التابعين مصدراً من مصادر التفسير بالمأثور، ومنهم من عدّها كسائر أقوال العلماء.

حكم التفسير بالمأثور:

يجب الأخذ بالتفسير بالمأثور ولا يجوز العدول عنه إذا صح.

أهم المؤلفات فيه:

المؤلفات في التفسير بالمأثور كثيرة، ومن أهمها:

١- جامع البيان عن تأويل آي القرآن:

مؤلفه: هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، ولد في (آمُل) في طبرستان سنة ٢٢٤هـ، وتوفي في بغداد سنة ٣١٠هـ.

تفسيره: أما تفسيره (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) فلم يؤلف قبله ولا بعده مثله في موضوعه، ولا يزال المفسرون عالة على تفسيره في التفسير بالمأثور، ويتميز تفسيره بمزايا منها:

١. اعتماده على التفسير بالمأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين.

٢. التزامه بالإسناد في الرواية.

٣. عنايته بتوجيه الأقوال والترجيح.

٤. ذكره لوجوه الإعراب.

٥. دقته في استنباط الأحكام الشرعية من الآيات.

٢- تفسير القرآن العظيم:

المؤلف: هو أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمرو بن كثير الدمشقي، ولد في بُصرى في الشام سنة ٧٠٠هـ، طلب العلم في صغره ورحل في طلبه.

التفسير: يُعد تفسير ابن كثير من أشهر ما دون في التفسير بالمأثور، ويُعتبر في المرتبة الثانية بعد تفسير ابن جرير الطبري.

وطريقته في التفسير أن يذكر الآية، ثم يفسرها بعبارة سهلة، موجزة ويجمع الآيات المناسبة لها، ويقارن بينها، وتفسيره أكثر كتب التفسير المعروفة سرداً للآيات المتناسبة في المعنى الواحد. ثم يورد الأحاديث المرفوعة التي لها صلة بالآية، ثم يُردف بأقوال الصحابة والتابعين وعلماء السلف. وينبه إلى ما في التفسير بالمأثور من منكرات الإسرائيليات، إجمالاً أحياناً وبالتفصيل حينا آخر.

٣- الدر المنثور:

المؤلف: هو جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ولد سنة ٨٤٩هـ، وتوفي سنة ٩١١هـ، وبعد أن تلقي العلوم وحصّل منها حظا وافراً انصرف إلى التأليف في وقت مبكر من حياته، ثم تجرد للتأليف في أواخر عمره، فاعتزل الناس وترك وظائفه من تدريس وإفتاء.

التفسير: ألف السيوطي - رحمه الله تعالى - كتابه (ترجمان القرآن) ثم أراد أن يختصره، وعلل هذا بقوله: رأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله، فلخصت منه هذا المختصر، مقتصراً فيه على متن الأثر، مصدراً بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر، وسميته بالدر المنثور في التفسير بالمأثور.

٤- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن:

المؤلف: محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي، ولد رحمه الله تعالى في شنقيط وهي دولة موريتانيا الإسلامية الآن، سنة ١٣٢٥هـ.

التفسير: وصل المؤلف رحمه الله تعالى في تفسيره هذا إلى آخر سورة المجادلة، ثم أكمل التفسير من بعده تلميذه الشيخ عطية محمد سالم، وصدر التفسير في عشرة مجلدات.

تميز هذا التفسير بميزتين (إحداهما) تفسير القرآن بالقرآن، وقد التزم أن لا يبين القرآن إلا بقراءة سبعية ولم يعتمد البيان بالقراءات الشاذة (والثانية) بيان الأحكام الفقهية ودقة الاستنباط، وحسنُ التفصيل وقوة الاستدلال.

كما تضمن هذا التفسير تحقيق بعض المسائل اللغوية وما يُحتاج إليه من صرف وإعراب، وتحقيق بعض المسائل الإصولية، والكلام على أسانيد الأحاديث.

يُعد هذا التفسير بحق من خير المؤلفات في التفسير قديماً وحديثاً ومن أتبعها للسنة وأبعدها عن البدعة، والقارئ فيه يجد رائحة علماء السلف ونقاء سريرتهم، وصفاء عقيدتهم، ودقة استنباطهم، وسعة علمهم. رحم الله مؤلفه رحمة واسعة.

ثانياً: التفسير بالرأي وأهم المؤلفات فيه:

تعريفه: هو تفسير القرآن بالاجتهاد.

أقسامه: ينقسم التفسير بالرأي إلى قسمين:

الأول: التفسير بالرأي المحمود:

وهو التفسير المستمد من القرآن، ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان صاحبه عالماً باللغة العربية وأساليبها، وبقواعد الشريعة وأصولها.

حكمه:

أجاز العلماء رحمهم الله تعالى هذا النوع من التفسير، ولهم أدلة كثيرة على ذلك منها:

١. قوله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (سورة محمد:٢٤) ، وغيرها من الآيات التي تدعو إلى التدبر في القرآن.

٢. دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس بقوله: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) ولو كان التفسير مقصوراً على النقل، ولا يجوز الاجتهاد فيه لما كان لابن عباس مزية على غيره.

٣. أن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في التفسير على وجوه، فدلّ على أنه من اجتهادهم.

الثاني: التفسير بالرأي المذموم:

هو التفسير بمجرد الرأي والهوى.

وأكثر الذين فسروا القرآن بمجرد الرأي، هم أهل الأهواء والبدع الذين اعتقدوا معتقدات باطلة ليس لها سند ولا دليل، ففسروا آيات القرآن بما يوافق آراءهم ومعتقداتهم الزائفة، وحملوها على ذلك بمجرد الرأي والهوى.

حكمه:

وهذا النوع من التفسير حرام لا يجوز، قال ابن تيميه رحمه الله تعالى (فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام، والأدلة على ذلك كثيرة منها:

١- قوله تعالى: (وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون) (البقرة ١٦٩) ، وقال سبحانه: (ولا تقف ما ليس لك به علم) (الإسراء ٣٦) .

٢- حديث (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) (رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح) . وحديث (من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ) رواه الترمذي وأبو داود.

أهم المؤلفات في التفسير بالرأي:

والمؤلفات في التفسير بالرأي كثيرة منها:

١- الكشف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل:

المؤلف: هو أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري المعتزلي، الملقب بجار الله، ولد سنة ٤٦٧هـ، في زمخشر، من قرى خوارزم.

تفسيره: اعتنى الزمخشري في تفسيره هذا ببيان وجوه الإعجاز القرآني، وإظهار جمال النظم وبلاغته، وخلا هذا التفسير من الحشو والتطويل، وإيراد الإسرائيليات إلا القليل.

والزمخشري قليل الاستشهاد بالحديث، ويورد أحياناً الأحاديث الموضوعة، خاصة في فضائل السور.

وملأ تفسيره بعقائد المعتزلة والاستدلال لها وتأويل الآيات وفقها، ويدس ذلك دساً لايدركه إلا حاذق، حتى قال البلقيني: استخرجت من الكشاف اعتزالا بالمناقيش.

وهو شديد على أهل السنة والجماعة ويذكرهم بعبارات الاحتقار ويرميهم بالأوصاف المقذعة، ويمزج حديثه عنهم بالسخرية والاستهزاء.

٢- مفاتيح الغيب:

المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي الملقب بفخر الدين، ولد في الرّي سنة ٥٤٤هـ وتوفي في هَرَاة سنة ٦٠٦ هـ.

التفسير: يُعد تفسير (مفاتيح الغيب) أوسع التفاسير في علم الكلام، فقد تأثر كثيراً بالعلوم العقلية فتوسع وسلك في تفسيره مسلك الحكماء والفلاسفة وعلماء الكلام، واستطرد في العلوم الرياضية والطبيعية والفلكية والمسائل الطبية، وملأ تفسيره بهذه العلوم حتى قيل عنه: فيه كل شيء إلا التفسير. ولم يتم الرازي تفسيره هذا، بل قيل إنه بلغ في التفسير إلى سورة الأنبياء، ثم أكمله أحد تلامذته.

٣- تيسير الكريم في تفسير كلام المنان:

المؤلف: هو عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي، ولد في عنيزة في القصيم سنة ١٣٠٧هـ، توفي والداه وهو صبي فكفلته زوجة أبيه وأدخلته مدرسة تحفيظ القرآن، فحفظه في الرابعة عشرة من عمره، واشتغل في طلب العلم فقرأ الكتب وحفظ المتون، ثم تصدى للتعليم ونشر العلم حتى ذاع صيته.

التفسير: يقع هذا التفسير في سبعة مجلدات، ومع هذا فهو تفسير يميل إلى الإيجاز مع وضوح المعنى، ويعتمد المعنى الإجمالي للآيات، حيث يورد مجموعة من الآيات، ثم يفسرها آية آية، وقد يتحدث عنها إجمالاً ثم تفصيلاً موجزاً. ويعرض عن الإسرائيليات، ويستطرد أحياناً في ذكر فوائد الآيات، وما تدل عليه من الأحكام الشرعية والهدايات القرآنية.

٤- في ظلال القرآن:

المؤلف: هو سيد بن الحاج قطب بن إبراهيم، ولد سنة ١٩٠٦م، تخرج في كلية دار العلوم سنة ١٩٣٣م، فزاول مهنة التدريس سنوات، وصدر ضده حكم بالإعدام ونفذ الحكم سنة ١٩٦٦م.

التفسير: والكتاب وصف أدبي متميز للحياة كما يرسمها القرآن الكريم، وهو منهج لم يسبق إليه سيد من قبل، فمنهج التذوق الأدبي للقرآن الكريم، والتفاعل مع المجتمع الذي ترسمه الآيات ومطابقته مع المجتمع الحاضر للخروج بمعالم التصحيح ورسم الدعوة والعودة، ثم دراسة الإيقاع الصوتي والجرس اللفظي للكلمات القرآنية، ودراسة التراكيب، منهج لم يسبق له مثيل في علم التفسير.

أما طريقته في ذلك فخلاصتها أنه يقدم لكل سورة يبين فيها موضوع السورة ومحورها، وأهم سماتها، ثم يعرض لمقاطعها ويربط بينها ببيان المناسبة وهكذا.

<<  <   >  >>