للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدٌ من أصحاب مذهب مالك، وإنما اختلفوا إذا كان في سفينة المشركين أحدٌ من أسارى المسلمين؛ فقال أشهب: يجوز، وقال ابن القاسم: لا يجوز، وهو المرويُّ عن مالك (١) . وروي عن عمر -رضي الله عنه- كراهة رمي المشركين بالنار (٢) .

فوجه جواز القتال (٣) بالنار قوله -تعالى-: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [النساء: ٨٩] ، ولم يخصَ قتلاً من قَتْلٍ، مع قوله -تعالى-: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠] ، ووجه المنعِ: تخصيصُ السنة ذلك في غير المُثلة.

وللآخرين أن يقولوا: يختصُّ النهيُ عن المثلة بالمقدور عليه؛ ألا ترى أن قَطْعَ الأيدي والأرجلِ وغيرَ ذلك من المُثلة، وهو جائزٌ باتفاقٍ في حال المقاتلة،

إذا لم يتمكن منه إلا بذلك، وهذا أظهر، والله أعلم.

ووجه تفريق مالكٍ بين قتال السفن وقتال الحصون؛ إنما هو بحسب الحال والاضطرار، لأن أهل السفن إن لم يُعاجَلوا بذلك وغيرِه، فعلوا هم بسفينة المسلمين مثل ذلك، فكان فيه الهلاك، واستيلاء أهل الكفر على المسلمين، بخلاف أهل الحصون؛ لأنهم لايتمكَّنون إذا انحصروا من المسلمين، فأمرهم في ذلك مختلف (٤) .

فصلٌ

واختلفوا في تحريق الديار والشجر المثمر والزرع، وقتل الحيوان، فذهب


(١) «حاشية الرهوني» (٣/١٤٦) .
وانظر في ذكر قول أشهب وابن القاسم: «الذخيرة» (٣/٤٠٩) ، «النوادر والزيادات» (٣/٦٦) .
(٢) أقرب ما وصلت إليه بعد بحث؛ ما أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٥/٢١٢ رقم ٩٤١٢) عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: حرَّق خالد بن الوليد ناساً من أهل الردة، فقال عمر لأبي بكر: أتدع هذا الذي يعذب بعذاب الله؟ فقال أبو بكر: لا أشيم سيفاً سلَّه الله على المشركين. وانظر: «سنن سعيد بن منصور» (٢٦٤٧، ٢٦٤٨) .
(٣) كذا في الأصل، والأصوب: «القتل» .
(٤) انظر: «الذخيرة» للقرافي (٣/٤٠٩) .

<<  <   >  >>