للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنهم من يُفَرِّق بين عالم الملك والملكوت والجبروت، فيجعل هذا عالم العقول، وهذا عالم النفوس. وهذا يوجد في كلام أبي حامد (١) وأمثاله، وهو مبنيٌّ على قول الفلاسفة الدهرية الذين يجعلون الملائكة خارجة عن ملك الله، ويقولون: إنهم ليسوا أجسامًا يُشار إليها، ولا تصعد ولا تنزل، ولا توصف بحركة ولا سكون، [م ١٤] ولا هي داخل الأفلاك ولا خارجها، ولا تُرَى ولا يُسْمع لها كلام. وليس هذا من دين أهل الملل، لا المسلمين ولا غيرهم، وقد بُسِط القولُ في فساد هذا بما ليس هذا موضعه (٢).

وصاحبُ الحزب وأمثالُه من المتأخرين ينظرون في كتب الصوفية التي فيها ما هو مبنيٌّ على أصول الفلاسفة المخالفة لدين المسلمين، فيتلقَّون ذلك بالقبول، ولا يعرفون حقيقتَه، ولا ما فيه من الباطل المخالف لدين الإسلام.

مثل ما يوجد في كلامهم من دعوى أحدهم أنه يطَّلِع على اللوح المحفوظ، وأنه يأخذ مراده (٣) من اللوح المحفوظ، ونحو ذلك. فإنَّ اللوح المحفوظ (٤) عند المتفلسفة كابن سينا وأتباعه هو النَّفْس الفَلَكِيَّة، وعندهم أن نفوس البشر تتصل بالنفس الفَلَكية أو بالعقل الفعَّال في المنام، أو في اليقظة لبعض الناس، وهم يدَّعون أن ما يحصل للناس من المكاشفة يقظةً


(١) ينظر «معارج القدس» (ص ١٥)، و «قواعد العقائد» (ص ٢٦٤) للغزالي.
(٢) انظر الكلام في ذلك في «مجموع الفتاوى»: (١١/ ٢٣١ - ٢٣٢)، و «الرد على المنطقيين» (ص ١٩٦)، و «بغية المرتاد» (ص ٢١٨).
(٣) (م): «مرنداه»! وهو تحريف.
(٤) «وأنه يأخذ مراده ... » إلى هنا سقط من (ت)، انتقال نظر.