للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويفرح بتوبة التائبين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات= فهو الذي جعلهم كذلك، هو الذي جعل المسلم مسلمًا، والمصلي مصلِّيًا، كما قال الخليل: {وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة: ١٢٨]، وقال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: ٤٠].

وإذا كان كذلك فليس يمكن أن يكون للعبد على ربه نعمة حتى يُقال: إنه أحسن إليه، بل إحسانُ العبد إلى نفسه، وإرضاؤه لربه، وثوابُ ربه له= هو من نعمة ربه عليه وإحسانه إليه، كلُّ نعمةٍ منه فَضْل وكلُّ نقمةٍ منه عَدل.

وأَمْر الله عبادَه ليس لحاجته إليهم كأمر المخلوق للمخلوق، مثل ما يأمر السيدُ عبدَه، والأميرُ جندَه. ولا نَهْيه بُخْلًا عليهم، بل أمْرُه لهم بالطاعة، وتوفيقُهم لها، وإثابَتُهم عليها= كلُّ ذلك من إحسانه، أَمَرَهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر، وأحلَّ لهم الطيبات [م ٣٦] وحرَّمَ عليهم الخبائث، فالعبد إذا عصاه ظَلَم نفسَه وضرَّ نفسَه، لم يضرَّ الله شيئًا.

والناس في أمره ونهيه على ثلاثة أقوال (١):

منهم من يقول: هو صادر عن مَحْض المشيئة، فقد يأمر بما يضر العباد، وقد ينهى عما ينفعهم، وهو لا يُسأَلُ عما يفعل. وهذا قول من يجعل المشيئة يجوز أن تتناول كلَّ مقدور، وأنَّ الظُّلمَ ممتنع لذاته، وأن الحكمة ليست إلا مُطابقةَ العلم. وهذا قول طائفة من أهل الكلام المثبتين للقدر ومَن اتبعهم


(١) تكلم المصنف على هذه المسألة والخلاف فيها في مواضع، انظر: «درء التعارض»: (٨/ ٤٠٥)، و «الفتاوى»: (٨/ ٨٢)، و «المنهاج»: (١/ ١٣٤)، (٣/ ٣٩). وانظر «شفاء العليل»: (١/ ٣٤٣ وما بعدها) لابن القيم.