للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثالثة؛ فإن نقيض ذلك ممتنع، وترك الممتنع لا ينافي الكرم. وأما على قول الرابعة؛ فلأنَّ ذلك مخلوق لحكمةٍ لا تحصل إلا به، فلو لم يُخلق لفاتت (١) تلك الحكمة التي يستحق الربُّ أن يُحْمَد لأجلها، ويوصفَ بالجود والكرم.

وإذا كان كذلك كان من تمام الكرم ما يخلقه من العقوبات التي لا يحصل الكرمُ التامُّ إلا بها. وهذا بخلاف الواحد منا، فإنه قد يُعاقب من أساءَ إليه لا لحكمةٍ في ذلك ولا [م ٤٠] لرحمةٍ، بل لمحض حظِّ نفس الذي قد يكون مذمومًا أو لا يكون محمودًا، والله تعالى لا يفعل إلا ما يُحمد عليه، فله الحمد على كل الحال.

والواحد مِنَّا إذا عفى عمن أساء إليه كان أفضل له وأعظم لأجره ومنزلته عند الله، والله تعالى لا يفعل شيئًا يكون تركه أكمل له في حقِّه، بل كل ما يفعله فهو الأكمل الذي لا أكملَ منه، فإن كماله من لوازم ذاته، وهو غير مفتقرٍ في ذلك إلى غيره، لامتناع افتقاره إلى غيره بوجهٍ من الوجوه، وإذا كان كماله من لوازم ذاته، وهو لا يقف على غيره، كان كماله واجبَ الحصولِ (٢) ممتنع القِدَم.

وهو سبحانه المستحقّ لغاية المدح وكمال الثناء، وأفضلُ العباد لا يُحصي ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه. وقد بُسط الكلام على هذه المقامات الشريفة التي هي من مَحارات العقول في غير هذا الموضع (٣).


(١) (م): «لفات».
(٢) (م): «لحصول».
(٣) انظر «منهاج السنة»: (١/ ٤١٦ وما بعدها).