للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجهٍ ويُذمّ من وجه، ويُحَبّ من وجه ويُبْغَض من وجه، ويدخل في الدعاء بالمغفرة والرحمة من وجه، ويدخل في الدعاء باللعنة من وجه، ويدخل النار فيقيم بها مدّة ثم يخرجه الله تعالى منها فيدخله الجنة.

وهكذا النوع الواحد في الأعمال، كالسجود يكون تارة طاعة كالسجود لله تعالى، وتارة معصية كالسجود للصنم.

ونازعَ في ذلك ابنُ الجُبّائي أبو هاشم، وجمهور الناس على تخطِئته، وهو كما لو قالوا بأن الفعل يختلف باختلاف النيات، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [ت ١٣] «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» (١).

وهو زعم أن الاختلاف يقع في النية فقط، وأما العمل الظاهر فهو متماثل الأفراد، وهو خطأ، بل العمل الظاهر يختلف مدحُه وذمُّه وحُسْنُه وقُبْحُه باختلاف نيّة فاعله، فنفس السجود لله تعالى حَسَن محمود، وللشمس والقمر سيئٌ مذموم، قال تعالى: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ} [فصلت: ٣٧].

وأما الفعل الواحد بعينه كصوم اليوم المعيّن والصلاة المعيّنة والدعاء المعيّن، فهل يكون محمودًا من وجه مذمومًا من وجه؟ وهل يستحق به فاعله الثواب من وجه والعقاب من وجه؟ وهل ذلك ممكن عقلًا أم لا؟

على قولين، فأكثر الناس على أن ذلك ممكنٌ عقلًا، وصار طائفة من


(١) أخرجه البخاري (١)، ومسلم (١٩٠٧) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.