للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى إياهما، أو صعود الكتبة بصحفهما والمستكن في {يرفعه} لله تعالى، وتخصيص العمل بهذا الشرف لما فيه من الكلفة أو للكلم، فإن العمل لا يقبل إلا بالتوحيد أو للعمل فإنه يحقق الإيمان ويقويه، قال الرازي في «اللوامع» : «العلم لا يتم إلا بالعمل كما قيل: العلم يهتف بالعمل فإن أجاب وإلا ارتحل» انتهى. وقد قيل:

*لا ترض من رجل حلاوة قوله ... حتى يصدق ما يقول فعاله*

*فإذا وزنت مقاله بفعاله ... فتوازنا فإخاء ذاك جماله*

وقال الحسن: الكلم الطيب ذكر الله تعالى، والعمل الصالح أداء فرائضه فمن ذكر الله تعالى ولم يؤد فرائضه ردّ كلامه على عمله، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب وصدّقته الأعمال، فمن قال حسناً وعمل غير صالح ردّ الله تعالى عليه قوله، ومن قال حسناً وعمل صالحاً رفعه الله.

ولما بيّن ما يحصل العزة من عليّ الهمة بين ما يكسب المذلة ويوجب النقمة من رديء الهمة بقوله تعالى: {والذين يمكرون} أي: يعملون على وجه المكر أي: الستر، المكرات: {السيئات} أي: مكرات قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة وتداورهم الرأي في إحدى ثلاث: حبسه وقتله وإجلاؤه كما قال تعالى {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} الآية (الأنفال: ٣٠) ، وقال الكلبي: معناه يعملون السيئات وقال مقاتل: يعني الشرك، وقال مجاهد: هم أصحاب الرياء {لهم عذاب شديد} أي: لا توبة دونه بما يمكرون {ومَكْر أولئك} أي: البعداء من الفلاح {هو} أي: وحده دون مكر من يريد بمكره الخير فإن الله ينفذه ويعلي أمره {يبور} أي: يفسد ولا ينفذ إذ الأمور مقدرة فلا تتغتير بسبب مكرهم كما دل عليه بقوله تعالى:

{والله خلقكم من تراب} أي: بتكوين أبيكم آدم منه فمزجه مزجاً لا يمكن لغيره تمييزه، ثم أحاله عن ذلك الجوهر أصلاً ورأساً، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {ثم} أي: بعد ذلك في الزمان والرتبة خلقكم {من نطفة} أي: جعلها أصلاً ثانياً من ذلك الأصل الترابي أشد امتزاجاً منه {ثم} بعد أن أنهى التدبير زماناً ورتبة إلى النطفة التي لا مناسبة بينها وبين التراب دلالة على كمال القدرة والفعل بالاختيار {جعلكم أزواجاً} أي: بين ذكور وإناث دلالة هي أظهر مما قبلها على الاختيار، وعن قتادة: زوج بعضكم بعضاً.

تنبيه: يصح أن يقال كما قال ابن عادل: خلقكم خطاب مع الناس وهم أولاد آدم عليه السلام وكلهم من تراب ومن نطفة؛ لأن كلهم من نطفة، والنطفة من غذاء، والغذاء ينتهي بالآخرة إلى الماء والتراب فهم من تراب صار نطفة.

ولما بين تعالى بقوله سبحانه: {خلقكم من تراب} كمال قدرته بين بقوله سبحانه {وما تحمل من أنثى ولا تضع} أي: حملاً {إلا} أي: مصحوباً {بعلمه} أي: في وقته ونوعه وشكله

<<  <  ج: ص:  >  >>