للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الآية دلالة على أن قيام الليل أفضل من قيام النهار، واختلف في سبب نزولها فقال ابن عباس: نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقال الضحاك: في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقال أبو عمرو: في عثمان رضي الله تعالى عنه، وقال الكلبي: في ابن مسعود وعمار وسلمان رضي الله تعالى عنهم.

وقوله تعالى: {يحذر الآخرة} أي: عذاب الآخرة يجوز أن يكون حالاً من الضمير في ساجداً وقائماً أو من الضمير في قانت وأن يكون مستأنفاً جواباً لسؤال مقدر كأنه قيل: ما شأنه يقنت آناء الليل ويتعب نفسه ويكدها قيل: يحذر الآخرة {ويرجو رحمة} أي: جنة {ربه} الذي لم يزل يتقلب في إنعامه وفي الكلام حذف والتقدير كمن لا يفعل شيئاً من ذلك، وإنما حسن هذا الحذف لدلالة ذكر الكافر قبل هذه الآية وذكر بعدها.

{قل هل يستوي} أي: في الرتبة {الذين يعلمون} أي: وهم الذين صفتهم أنهم يقنتون آناء الليل ساجدين وقائمين {والذين لا يعلمون} أي: وهم صفتهم عند البلاء والخوف يوحدون وعند الراحة والفراغ يشركون، وإنما وصف الله تعالى الكفار بأنهم لا يعلمون لأن الله تعالى وإن أعطاهم آلة العلم إلا أنهم أعرضوا عن تحصيل العلم، فلهذا جعلهم الله تعالى كأنهم ليسوا من أولي الألباب من حيث إنهم لم ينتفعوا بعقولهم وقلوبهم، وفي هذا تنبيه على فضيلة العلم، قيل: لبعض العلماء: إنكم تقولون: العلم أفضل من المال ثم نرى العلماء، عند أبواب الملوك ولا نرى الملوك عند أبواب العلماء فأجاب بأن هذا أيضاً يدل على فضيلة العلم لأن العلماء علموا ما في المال من المنافع فطلبوه، والجهال لم يعرفوا ما في العلم من المنافع فلا جرم تركوه.

وقال في الكشاف: وأراد بالذين يعلمون العاملين من علماء الديانة كأنه جعل من لا يعمل غير عالم، قال: وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم ثم لا يقنتون ويفتنون ثم يفتنون بالدنيا فهم عند الله تعالى جهلة حيث جعل الله تعالى القانتين هم العلماء، قال: ويجوز أن يراد على سبيل التشبيه أي: كما لا يستوي العالمون والجاهلون كذلك لا يستوي القانتون والعاصون ا. هـ، وعن الحسن: أنه سئل عن رجل يتمادى في المعاصي ويرجو فقال: هذا تمنَ، وإنما الرجاء قوله تعالى وتلا هذه الآية. {إنما يتذكر} أي: يتعظ {أولو الألباب} أي: أصحاب العقول الصافية والقلوب النيرة وهم الموصوفون في آخر سورة آل عمران بقوله تعالى: {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم} (آل عمران: ١٩١)

إلى آخرها.

ولما نفى الله تعالى المساواة بين من يعلم وبين من لا يعلم أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يخاطب المؤمنين فقال سبحانه:

{قل} أي: لهم {يا عبادي الذين آمنوا} أي: أوجدوا هذه الحقيقة {اتقوا ربكم} أي: بطاعته واجتناب معاصيه ثم بين تعالى لهم ما في هذا الاتقاء من الفوائد بقوله تعالى: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا} أي: بالطاعة {حسنة} أي: في الآخرة وهي الجنة والتنكير في حسنة للتعظيم أي: حسنة لا يصل العقل إلى كنه كمالها، فقوله تعالى: {في هذه الدنيا} متعلق: بأحسنوا وقيل: متعلق {بحسنة} وعلى هذا قال السدي: معناه في هذه الدنيا حسنة يعني الصحة والعافية. قال الرازي: الأولى أن يحمل على الثلاثة المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم «ثلاثة ليس لها نهاية الأمن والصحة والكفاية» ا. هـ ورد بأنه يتعين حمله على حسنة الآخرة لأن ذلك حاصل للكفار

<<  <  ج: ص:  >  >>