للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إذا تتلى} أي: تذكر على سبيل المتابعة {عليه} ولو كان ذلك على سبيل الخصوص له {آياتنا} أي: العلامات الدالة دلالة هي في غاية الظهور على الملك الأعلى وعلى ماله من صفات العظمة {قال} أي: مفاجأة من غير تأمل ولا توقف عوضاً عن شكرنا {أساطير} جمع سطور جمع سطر {الأولين} أي: أشياء سطروها ودونوها وفرغوا منها، فحمله دنيء طبعه على تكثره بالمال، فورطه في التكذيب بأعظم ما يمكن سماعه، فجعل الكفر موضع الشكر، ولم يستح من كونه يعرف كذبه كل من سمعه، فأعرض عن الشكر ووضع موضعه الكفر، فكان هذا دليلاً على جميع تلك الصفات السابقة، مع التعليل بالاستناد إلى ما هو عند العاقل أوهى من بيت العنكبوت والاستناد إليه وحده كاف في الاتصاف بالرسوخ في الدناءة.

وقرأ ابن عامر وشعبة وحمزة بهمزتين مفتوحتين وابن عامر يسهل الثانية، وشعبة وحمزة بتحقيقهما وهشام على أصله يدخل بينهما ألفاً والباقون بهمزة واحدة مفتوحة. قال القرطبي: فمن قرأ بهمزة مطولة أو بهمزتين محققتين، فهو استفهام والمراد به التوبيخ، ويحسن له أن يقف على {زنيم} ويبتدىء {أن كان} على معنى ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه؟ ويجوز أن يكون التقدير: ألأن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال: أساطير الأولين، ويجوز أن يكون التقدير: ألأن كان ذا مال وبنين يكفر ويستكبر؟ ودل عليه ما تقدم من الكلام، فصار كالمذكور بعد الاستفهام، ومن قرأ أن كان بغير استفهام فهو مفعول من أجله، والعامل فيه فعل مضمر، والتقدير: يكفر لأن كان ذا مال وبنين، ودل على هذا الفعل {إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} ولا يعمل في إذا تتلى ولا قال، لأن ما بعد إذا لا يعمل فيما قبلها؛ لأن إذا تضاف إلى الجمل التي بعدها، ولا يعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف. وقال: جواب الجزاء ولا يعمل فيما قبل الجزاء إذ حكم العامل أن يكون قبل المعمول فيه، وحكم الجواب أن يكون بعد الشرط، فيصير مقدماً مؤخراً في حال واحد.

ويجوز أن يكون المعنى: لا تطعه لإن كان ذا يسار وعدد. قال ابن الأنباري: ومن قرأ بلا استفهام لم يحسن أن يقف على زنيم، لأن المعنى: لأن كان ذا مال كان، فأن متعلقة بما قبلها. وقال غيره: يجوز أن تتعلق بقوله تعالى: {مشاء بنميم} والتقدير: يمشي بنميم لإن كان ذا مال وبنين، وأجاز أبو علي أن تتعلق بعتل. ومعنى {أساطير الأولين} أباطيلهم وترهاتهم.

{سنسمه} أي: نجعل له سمة، أي: علامة يعرف بها {على الخرطوم} أي: الأنف يعير بها ما عاش، قال ابن عباس: سنسمه سنخطمه بالسيف، قال: وقد خطم الذي نزلت فيه يوم بدر بالسيف، فلم يزل مخطوماً إلى أن مات، والتعبير عن الأنف بهذا للاستهانة والاستخفاف. وقال قتادة: سنسمه يوم القيامة على أنفه سمة يعرف بها. وقال الكسائي: سنكويه على وجهه وقال أبو العالية ومجاهد: سنسمه على الخرطوم، أي: على أنفه ونسوّد وجهه في الآخرة فيعرف بسواد وجهه قال تعالى: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} (آل عمران: ١٠٦)

فهي علامة ظاهرة {ونحشر المجرمين يومئذ زرقا} (طه: ١٠٢)

وهذه علامة أخرى ظاهرة.

وأفادت هذه الآية علامة ثالثة: وهي الوسم على الأنف بالنار، وهذا كقوله تعالى: {يعرف المجرمون بسيماهم} (الرحمن: ٤١)

قال القرطبي: والخرطوم الأنف من الإنسان، ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>