للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كوناً هو كالجبلة {طرائق قدداً} أي: جماعات متفرّقين وأصنافاً مختلفة، قال سعيد بن المسيب: معنى الآية كنا مسلمين ويهوداً ونصارى ومجوساً، وقال الحسن والسدّي: الجنّ أمثالكم فمنهم قدرية ومرجئة ورافضة وخوارج وشيعة وسنية. وقال ابن كيسان: شيعاً وفرقاً لكل فرقة هوى كأهواء الناس. وقال سعيد بن جبير: ألواناً شتى. وقال أبو عبيدة: أصنافاً وقيل: منا الصالحون ومنا المؤمنون، لم يتناهوا في الصلاح.

قال القرطبي: والأوّل أحسن لأنه كان في الجنّ من آمن بموسى وعيسى، وقد أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا: {إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه} وهذا يدل على إيمان قوم منهم بالتوراة.

تنبيه: القدد جمع قدة والمراد بها الطريقة وأصلها السيرة، يقال: قدة فلان حسنة، أي: سيرته وهو من قدّ السير، أي: قطعه، فاستعير للسيرة المعتدلة. قال الشاعر:

*القابض الباسط الهادي بطلعته ... في فتنة الناس إذ أهواؤهم قدد*

وقال لبيد يرثي أخاه:

*لم تبلغ العين كل نهمتها ... يوم تمشي الجياد بالقدد*

والقد بالكسر سير يقد من جلد غير مدبوغ، ويقال: ما له قد ولا قحف، فالقد إناء من جلد والقحف إناء من خشب.

{وأنا ظننا أن لن نعجز الله} أي: وإنا علمنا وتيقنا بالتفكر والاستدلال في آيات الله أنا في قبضة الملك وسلطانه لن نفوته بهرب ولا غيره لما له من الإحاطة بكل شيء علماً وقدرة لأنه واحد لا مثل له.

تنبيه: أطلقوا الظنّ على العلم إشارة إلى أنّ العاقل ينبغي له أن يتجنب ما يتخيله ضاراً ولو بأدنى أنواع التخيل، فكيف إذا تيقن. وقولهم {في الأرض} حال، وكذلك هرباً في قولهم {ولن نعجزه} أي: بوجه من الوجوه {هرباً} فإنه مصدر في موضع الحال تقديره لا نفوته كائنين في الأرض أو هاربين منها إلى السماء، فليس لنا مهرب إلا في قبضته فأين أم إلى أين المهرب.

{وأنا لما سمعنا} أي: من النبيّ صلى الله عليه وسلم {الهدى} أي: القرآن الذي له من العراقة التامة في صفة البيان والدعاء إلى الخير ما سوّغ أن يطلق عليه نفس الهدى {آمنا به} وبالله وصدقنا محمداً صلى الله عليه وسلم على رسالته وكان صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى الإنس والجنّ. قال الحسن: بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الإنس والجن ولم يبعث الله تعالى قط رسولاً من الجن ولا من أهل البادية ولا من النساء، وذلك لقوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى} (يوسف: ١٠٩)

وفي الصحيح: «وبُعثت إلى الأحمر والأسود» أي الإنس والجنّ، وفي إرساله إلى الملائكة خلاف قدّمنا الكلام عليه.

{فمن يؤمن بربه} أي: المحسن إليه منا ومن غيرنا {فلا} أي: فهو خاصة لا {يخاف بخساً ولا رهقاً} قال ابن عباس: لا يخاف أن ينقص من حسناته ولا أن يزاد في سيئاته لأن البخس النقصان والرهق العدوان وغشيان المحارم.

{وأنا منا} أي: الجن {المسلمون} أي: المخلصون في صفة الإسلام {ومنا القاسطون} أي: الجائرون أي: وإنا بعد سماع القرآن مختلفون فمنا من أسلم ومنا من كفر، والقاسط الجائر لأنه عدل عن الحق، والمقسط العادل إلى الحق، قسط إذا جار، وأقسط إذا عدل فقسط الثلاثي بمعنى جار، وأقسط الرباعي بمعنى عدل.

وعن سعيد بن جبير: أنّ الحجاج قال له حين أراد قتله: ما تقول فيّ؟ قال: قاسط عادل. فقال القوم:

<<  <  ج: ص:  >  >>