للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويرفع من يشاء وإن ذل، وقريش هم ولد النضر بن كنانة ومن ولده النضر فهو قرشيّ، ومن لم يلده النضر فليس بقرشيّ. قال صلى الله عليه وسلم «إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» وأخرج الحاكم وصححه البيهقي عن أم هانئ بنت أبي طالب أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «فضل الله قريشاً بسبع خلال أني منهم، وأنّ النبوّة فيهم، وأنّ الله نصرهم على الفيل، وأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبده غيرهم وأنّ الحجابة والسقاية فيهم، وأنّ الله أنزل فيهم سورة من القرآن» وسموا قريشاً من القرش وهو التكسب والجمع، يقال: فلان يقرش لعياله ويقترش، أي: يكتسب، وهم كانوا تجاراً حرّاصاً على جمع المال، وقا أبو ريحانة: سأل معاوية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: لم سميت قريش قريشاً؟ قال: لدابة تكون في البحر من أعظم دوابه تعبث بالسفن، ولا تطاق إلا بالنار يقال لها: القرش، ولا تمرّ بشيء من الغث والسمين إلا أكلته، وهي تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى،. قال: وهل تعرف العرب ذلك في أشعارها، قال: نعم فأنشده شعر الجمحي:

*وقريش هي التي تسكن البح ... ر بها سميت قريش قريشاً*

*تأكل الغث والسمين فلا تت ... رك فيه لذي الجناحين ريشاً*

*هكذا في الكتاب حي قريش ... يأكلون البلاد أكلاً كميشا*

*ولهم آخر الزمان نبيّ ... يكثر القتل منهموا والخموشا*

وقيل: هو من تقرش الرجل إذا تنزه عن مدانس الأمور، أومن تقارشت الرماح في الحرب إذا دخل بعضها في بعض.

وقوله تعالى: {إيلافهم} بدل من الإيلاف الأول، وقرأ ابن عامر لإلاف بغير ياء بعد الهمزة، والباقون لإيلاف بياء بعدها، وأجمع الكل على إثبات الياء في الثاني وهو إيلافهم بالياء بعد الهمزة. قال ابن عادل: ومن غريب ما اتفق في هذين الحرفين أن القراء اختلفوا في سقوط الياء، وثبوتها في الأول مع اتفاق المصاحف على إثباتها خطاً، واتفقوا على إثبات الياء في الثاني مع اتفاق المصاحف على سقوطها منها خطاً، وهذا أدل دليل على أنّ القراء متبعون الأثر والرواية لا مجرّد الخط. وقوله تعالى: {رحلة الشتاء} منصوب بإيلافهم مفعول به كما نصب يتيماً بإطعام، وهي التي يرحلونها في زمنه إلى اليمن لأنها بلاد حارة ينالون منهامتاجر الحبوب. {والصيف} التي يرحلونها إلى الشام في زمنه؛ لأنها بلاد باردة ينالون فيها منافع الثمار، وهم آمنون من سائر العرب لأجل عزهم بالحرم المعظم وبيت الله، والناس يتخطفون من حولهم ولا يجترىء أحد عليهم.

والإيلاف من قولك: آلفت المكان أولفه إيلافاً إذا بلغته فأنا مؤلف، والأصل رحلتي الشتاء والصيف ولكنه أفرد ليشمل كل رحلة كما هو شأن المصادر وأسماء الأجناس، وفي ذلك إشارة إلى أنهم يتمكنون من الرحلة إلى أي بلاد أرادوا لشمول الأمن لهم. قال مالك: الشتاء نصف السنة والصيف نصفها.

وقال قوم: الزمان أربعة أقسام شتاء وربيع وصيف وخريف، وقيل: شتاء وصيف وقيظ وخريف. قال القرطبي: الذي قاله مالك أصح لأنّ الله تعالى قسم الزمان قسمين، ولم يجعل لهما ثالثاً، وروى عكرمة عن ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>