للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من التحريم لا من المحرّمات أي: حرّم عليكم ما مضى إلا ما ذكيتم فإنه لكم حلال فيكون الاستثناء منقطعاً أيضاً، وأقلّ الذكاة في الحيوان المقدور عليه قطع الحلقوم والمريء وكمالها أن يقطع الودجين معهما، وهما عرقان في صفحتي العنق ويجوز بكل محدد يجرح من حديد أو قصب أو زجاج أو غيره إلا السن والظفر لقوله صلى الله عليه وسلم «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ليس السن والظفر» .

وقوله تعالى: {وما ذبح على النصب} في محل رفع عطفاً على الميتة أي: وحرم عليكم ذلك والنصب واحد الأنصاب، وهي حجارة، كانت حول الكعبة يذبح عليها تقرباً إليها وتعظيماً لها، وقيل: هي الأصنام لأنها تنصب لتعبد، وعلى: بمعنى اللام أو على أصلها بتقدير وما ذبح مسمى على الأنصاب، وقيل: هو جمع والواحد نصاب ويدل للأوّل قول الأعشى:

*وذا النصب المنصوب لا تعبدنه ... ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا*

وقوله تعالى: {وأن تستقسموا بالأزلام} في محل رفع أيضاً فكان عطفاً على الميتة أي: وحرم عليكم ذلك والأزلام جمع زَلَم بفتح الزاي وضمها مع فتح اللام قِدح بكسر القاف صغير وهو سهم لا ريش له ولا نصل، وذلك إنهم كانوا إذا قصدوا فعلاً ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب على أحدها أمرني ربي، وعلى الآخر نهاني ربي، والثالث غفل أي: لا سمة عليه فإن خرج الأمر مضوا على ذلك وإن خرج الناهي تجنبوا عنه وإن خرج الغفل أداروها ثانياً، فمعنى الاستقسام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم بالأزلام، وقيل: هو قسمة الجزور بالأقداح على الأنصباء المعلومة.

وقوله تعالى: {ذلكم فسق} إشارة إلى ما ذكر تحريمه أي: خروج عن الطاعة، وقيل: إشارة إلى الاستقسام وكونه فسقاً؛ لأنه دخول في علم الغيب الذي استأثر بعلمه علام الغيوب، وقد قال تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} (النمل، ٦٥) وضلال باعتقاد إنّ ذلك طريق إليه وقوله: أمرني ربي ونهاني ربي افتراء على الله عز وجل إن كان أراد بربي الله وما يدريه إنّ الله أمره أو نهاه، فالكهنة والمنجمون بهذه المثابة، وجهالة وشرك إن أراد به الصنم.

وقوله تعالى: {اليوم} لم يرد به يوماً بعينه وإنما أراد الحاضر وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية، وقيل: الألف واللام للعهد، قيل: أراد يوم نزولها، وقيل: نزلت يوم الجمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع، وقيل: هو يوم دخوله صلى الله عليه وسلم مكة سنة تسع، وقيل: ثمان، وقوله تعالى: {يئس الذين كفروا من دينكم} فيه قولان أحدهما: يئسوا من أن يحلوا هذه الخبائث بعد أن جعلها الله تعالى محرمة، والثاني: يئسوا من أن يغلبوكم على دينكم فترتدّوا عنه بعد طمعهم في ذلك، لما رأوا من قوته؛ لأنه تعالى كان وعد بإعلاء هذا الدين على كل الأديان بقوله تعالى: {ليظهره على الدين كله} (التوبة، ٣٣) فحقق ذلك النصر وأزلل الخوف {فلا تخشوهم} أن يظهروا عليكم {واخشون} أجمع القرّاء السبعة على حذف الياء بعد النون لحذفها في الرسم أي: واخلصوا الخشية لي وحدي فإنّ دينكم قد اكتمل بدره وجل عن انمحاق محله وقدره ورضي به الآمر ومكّنه على رغم أنوف الأعداء وهو قادر وذلك قوله تعالى مسوقاً مساق التعليل:

{اليوم أكملت لكم دينكم} أي: الذي أرسلت به أكمل خلقي محمداً صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>