للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الضنك في العذاب الأليم، وهو يمرّ أسرع من مرّ السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً في حياته وإن عاش فيه عاش عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والشهوة والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير له من حياته" (١) .

والوقت وعاء العمل، يقول ابن القيم رحمه الله في ذلك: "السنة شجرة والشهور فروعها والأيام أغصانها والساعات أوراقها والأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنما يكون الجذاذ يوم المعاد، فعند الجذاذ يتبين حلو الثمار من مُرِّها" (٢) .

تلك هي نظرة الإسلام للوقت، وهذه هي حال سلفنا الصالح معه، ولعل أهم واجبات المسلم نحو الوقت تتمثل فيما يأتي:

أولاً: الحرص على الاستفادة من الوقت

إن الحفاظ على الوقت من أوجب الواجبات وأهمها في حياة المؤمن الذي ينبغي له تسخير الوقت واستثماره في كل ما يعود عليه بالفائدة في دينه ودنياه، متأسياً في ذلك بسلفنا الصالح الذين كانوا يعرفون للوقت حقه، مما خوَّلهم في أقل من قرن من الزمان أن يُحدِثوا انقلاباً جذرياً في مفاهيم كثير من المجتمعات التي حملوا الإسلام إليها.

كان سلفنا الصالح حريصين الحرص كله على ألا يمر بأحدهم يوم أو بعض يوم أو برهة من الوقت وإن قصرَتْ، دون التزود منها بعلم نافع أو عمل صالح أو إسداء خير ونفع إلى أحد من المسلمين، أو تقديم خدمة أو نصيحة إلى الأمة، فقد كانوا رحمهم الله يسابقون الساعات، ويبادرون اللحظات ضناً منهم بالوقت، وحرصاً على ألاّ يذهب منهم هدراً، وفي ذلك


(١) ابن القيم، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قيّم الجوزية، الداء والدواء، مرجع سابق، ص٢٣٩.
(٢) ابن القيم، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قيّم الجوزية ٦٩١ - ٧٥١ هـ، الفوائد، تحقيق بشير محمد عيون، مكتبة المؤيد، الطائف، ط٢، ١٤٠٨هـ - ١٩٨٨م، ص٢٩٢.

<<  <   >  >>