للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال موسى بن إسماعيل (١) واصفًا حال الإمام المحدّث حمّاد بن سلمة البصري (٢) : " لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكاً قطُّ لصَدَقْتُكم، كان مشغولاً بنفسه؛ إما أن يحدّث، وإما أن يصلّي، وإما أن يقرأ، وإما أن يسبِّح، كان قد قسّم النهار على هذه الأعمال. وقال عبد الرحمن ابن مهدي (٣) : لو قيل لحمّاد بن سلمة: إنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً" (٤) .

وقال شميط بن عجلان (٥) : "واللهِ إن أبغض ساعاتي إليّ الساعةُ التي آكل فيها" (٦) . فهو رحمه الله يتحسّر على الوقت الذي يُمضيه في تناول الطعام، فيا لها من عناية بالوقت وحرص عليه.

وقال أحد الحكماء: "من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أدَّاه، أو مجد أثله، أو حمد حصَّله، أو خير أسَّسه، أو علمٍ اقتبسه، فقد عقَّ يومه، وظلم نفسه" (٧) .

ثانياً: اغتنام أوقات الفراغ

إن فراغ القلب من الهموم والأكدار وفراغ الجسم من الأسقام لنعمتان عظيمتان من نعم الله عزَّ وجلَّ على عباده، إلا أن الناس مغبونون فيهما، كما جاء ذلك عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ» (٨) . وهو صلى الله عليه وسلم يشير في هذا الحديث إلى حال الناس حيال هاتين النعمتين، وأنهم لا يقدرونهما حق قَدْرهما، فتضيع أوقات الفراغ لديهم دون استثمارها فيما ينفعهم في أيٍّ من أمور دينهم أو دنياهم، وهذا هو الخسران المبين.

وحثاً للمسلم على اغتنام أوقات الفراغ، والاستفادة من جميع أوقات العمر، وعدم تضييعه، فقد جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قوله: «لا تزول قدما عبد يوم


(١) التبوذكي الحافظ الثقة أبو سلمة موسى بن إسماعيل المنقري مولاهم البصري، سمع من حماد بن سلمة تصانيفه، قال أبو حاتم: لا أعلم بالبصرة ممن أدركنا أحسن حديثاً من أبي سلمة، ت ٢٢٣هـ. انظر: (الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان ت ٧٤٨هـ، تذكرة الحفاظ، وضع حواشيه الشيخ زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت ١٤١٩هـ - ١٩٩٨م، ج١ ص٢٨٩) .
(٢) حمّاد بن سلمة بن دينار الحافظ شيخ الإسلام أبو سلامة الربعي النحوي المحدّث، ت ١٦٧هـ. انظر: (الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، تذكرة الحفاظ، مرجع سابق، ج١ ص١٥١) .
(٣) عبد الرحمن بن مهدي بن حسّان بن عبد الرحمن الإمام الناقد المجوّد سيد الحفاظ أبو سعيد العنبري، ولد سنة ١٣٥هـ، وكان إماماً حجة قدوة في العلم والعمل. (الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان ت٧٤٨هـ، سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرنؤوط ومأمون الصاغرجي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط٦، ١٤٠٩هـ، ١-٢٣، ج٩ ص ١٩٢-١٩٣) .
(٤) المزي، أبو الحجاج يوسف ٦٥٤-٧٤٢هـ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط٤، ١٤١٣هـ - ١٩٩٢م، ١-٣٠، ج٧ ص٢٦٥.
(٥) ذكره أبو نعيم في حلية الأولياء فقال: ومنهم الومق الولهان، والواعظ اليقظان، أبو همّام شميط ابن عجلان، وقيل أبو عبيد الله. انظر: (الأصبهاني، أبو نعيم أحمد بن عبد الله ت٤٣٠هـ، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط١، ١٤١٨هـ، ١-١٢، ج٣ ص١٤٩) .
(٦) المرجع نفسه، رقم الرواية (٣٥٠٩) ، ج ٣ ص ١٥١.
(٧) المناوي، عبد الرؤوف ٩٥٢ - ١٠٣١ هـ، فيض القدير شرح الجامع الصغير، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط١، ١٣٥٦هـ، ١-٦، ج٦ ص ٢٨٨.
(٨) البخاري، محمد بن إسماعيل ١٩٤-٢٥٦هـ، صحيح البخاري، اعتنى به أبو صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية، ١٤١٩هـ-١٩٩٨م، كتاب (٨١) ، باب (١) ، رقم الحديث (٦٤١٢) ، ص١٢٣٢.

<<  <   >  >>