للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= القرآن حدّثك البعض عن حضارة الآخرين ... ورفاهيتهم. حتى لقد أصبح هذا القرن عند الجميع قرن الرفاهية المادية والتكاثر الشيئي والتسابق في المقتنيات والتطاول في البنيان! بل «لقد غدا فيه الإعلان عن (الأشياء) عِلماً له أصوله ومناهجه ... وغدت أحاديث الناس في المجتمعات اليومية تنصب في معظمها على التزود بالحاجيات المستجدة، وملاحقتها واصطيادها، والتباهي بتكديسها في غرف البيوت وصالاتها حتى ولو لم يكن وراءها أي منفعة! بل غدا «الديكور» هو الآخر علماً له أصوله ومناهجه ... يتهافت الناس على أصحابه من أجل أن يبدوا أحسن أثاثاً ورئياً!!
إن الجانب المادي من الحياة ليس سوى تراكم شيئي ... تكديس أثاث بعضه فوق بعض ... ولم يكن بمقدور الأثاث يوماً -مهما كان جميلاً ومتقدماً ومتقناً- أن يقف في مواجهة المصير ... أن يخلّص أمة لم تحسن التعامل مع القيم التي هي أكبر من الأشياء والأثاث و «الديكورات» يخلّصها من مصائرها المفجعة ... من الهلاك النفسي والأخلاقي والصحي والاجتماعي والأدبي الذي يقتحم عليها جدرانها الشيئية كالطاعون، ويكتسحها وأثاثها ورواءها الخارجي من مسرح التاريخ» .
وانظر مقالاً قيماً بهذا الخصوص بعنوان: «إشارات قرآنية» للدكتور عماد الدين خليل، في مجلة العربي، العدد (٢٤٧) رجب (١٣٩٩هـ) (ص ١٤-١٧) ، و «علوم القرآن» (ص ٣٧٤) للزرزور.
إذاً، العبرة في المال بثمرته والنتيجة المترتبة عليه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في «مجموع الفتاوى» (٢٠/١٤٣-١٤٤) بعد كلام:
«وأما نفس وجود السلطان والمال الذي يبتغى به وجه الله والقيام بالحق والدار الآخرة، ويستعان به على طاعة الله، ولا يفتن القلب عن محبة الله ورسوله والجهاد في سبيله، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر، ولا يصده عن ذكر الله، فهذا من أكبر نعم الله -تعالى- على عبده إذا كان كذلك. ولكن قَلَّ أنْ تجدَ ذا سلطان أو مالٍ إلا وهو مبطأ مثبط عن طاعة الله ومحبته، متبع هواه فيما آتاه الله، وفيه نكول حال الحرب والقتال في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبهذه الخصال يكتسب المهانة والذم دنيا وأخرى» .
وقال فيه (٢٠/١٤٤) مؤكِّداً أن شأن (المال) تحصيلاً وعدماً يخرَّج على قاعدة (الأمور بمقاصدها) ونصّ كلامه:
«فالشرف والمال لا يحمد مطلقاً ولا يذم مطلقاً، بل يحمد منه ما أعان على طاعة الله، وقد يكون ذلك واجباً، وهو ما لا بد منه في فعل الواجبات، وقد يكون مستحباً، وإنما يحمد إذا كان بهذه النية، ويذم ما استعين به على معصية الله أو صد عن الواجبات، فهذا محرم.
وينتقص منه ما شغل عن المستحبات وأوقع في المكروهات. والله أعلم» . =

<<  <   >  >>