للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه يدل على بطلان الحديث الآخر قال: «وكيف يصحُّ ذلك وهو - صلى الله عليه وسلم - يحضُّ على النكاح والتماس الولد» ؟ ‍‍! انتهى.

والحكم عليه بالبطلانِ مع ما أسلفتُه من طرقه باطلٌ، نعم هو لا يقاوِم حديث


_= ذلك بقوله: وبارك له فيما أعطيته، فإن قيل: فأي الرجلين أفضل؟ المبتلى بالفقر أو المبتلى بالغنى، إذا صلحت حالةُ كل واحد منهما؟ قيل: السؤال عن هذا لا يستقيم إذ قد يكون لهذا أعمال سوى تلك المحنة يفضل بها صاحبه، ويكون لصاحبه أعمال يفضل بها من يساويه في تلك الحالة، وقد يكون هذا الذي صلح حاله على الفقر قد لا يصلح حاله على الغنى، ويصلح حاله الآخر على الفقر والغنى، وقد تختلف حالتهما في غير ذلك.

فإن قيل: فإن كان كل واحدٍ منهما تصلح حالته في الأمرين وهما في غير ذلك من الأعمال متساويان، وأدى الفقير ما يجب عليه في فقره من الصبر والعفاف والرضى، وأدى الغني ما يجب عليه من الإنفاق والبذل والشكر والتواضع، فأي الرجلين أفضل؟ فعِلْم هذا عند الله، مع أن قوماً ذهبوا إلى تفضيل الفقير لحديث: «إن الفقراء يدخلون الجنة وأصحاب الجدّ محبوسون للحساب» . وقالوا: إنما يحبس هذا للتفاخر والتكاثر، وأما من أدى حقَّ الله في ماله، ولم يرد به التفاخر والتكاثر، وأهلك منه ما قدر له في حقه، وأرصد بباقيه الحاجة إليه؛ فليس أولئك منه السبق لشيء. ويدل على هذا ما ثبت عن النبي -عليه السلام- أنه قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحقِّ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلّمها» . وفي حديثٍ آخر: «رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحقِّ، ورجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار» . فقد بيَّن - صلى الله عليه وسلم - أنه لا شيء أرفع من هاتين الحالتين، وهو المبيِّن عن الله معنى ما أراد، ولو كان من كانت هذه حالته مسبوقاً في الآخرة لما حضَّ الرسول -عليه السلام- على أن يتنافس في عمله ولا وصفه بهذه الصفة» .
فما أورده المصنف عن الداودي هو لفظ نقل ابن حجر في «الفتح» (١١/١٣٨) عنه، ولعله منقول من «شرحه على صحيح البخاري» ، وهو من مصادر ابن حجر كما في «معجم المصنفات الواردة في فتح الباري» (ص ٢٣٢ رقم ٦٨٠) ، ومما كتبته في التعريف به فيه:
«صرح عبد السلام المباركفوري في «سيرة الإمام البخاري» (١٩٦) أنه رأى نسخة قديمة منه، كان يملكها الشيخ نذير حسين الدهلوي» ، ولعله من تصرف ابن حجر -كعادته- في النقل، إذ وجدتُ ابن بطال في «شرحه على صحيح البخاري» (١٠/١٧١) ساقه كما أثبتناه، وعنده كلام الداودي برمته، وقال عنه: «أحسن ما رأيت في هذه المسألة» ، أي: التفصيل بين الغني والفقير.

<<  <   >  >>