للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نجسة، إذ لو كانت نجسة لم يجعله مشروطاً بعدم وجدان غيرها، إذ الإناء المتنجس بعد إزالة نجاسته هو وما لم يتنجس على سواء.

وقد ثبت في الصحيحين أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ من مزادة مشركة، وربط ثمامة بن آثال ـ وهو مشرك ـ بسارية من سوارى المسجد. وأكل من الشاة التي أهدتها له يهودية من خيبر. وأكل من الجبن المجلوب من بلاد النصارى، كما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر، وأكل من خبز الشعير والإهالة (١) لما دعاه إلى ذلك يهودى

ويستدل كذلك بتحليل طعام أهل الكتاب ونسائهم بآية المائدة، وهي آخر ما نزل، وإطعامه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه للوفد من الكفار من دون غسل الآنية ولا أمر به.

فلو حرمت رطوبتهم لاستفاض بين الصحابة نقل توقيهم لها، لقلة المسلمين حينئذ، مع كثرة استعمالاتهم التي لا يخلو منها ملبوس ومطعوم، والعادة في مثل ذلك تقتضى بالاستفاضة. (٢)

وقد رد هذه الأدلة أحمد بن يحيى بن المرتضى في كتابه البحر الزخار (١/١٣) بقوله: (دليلنا أصرح لقوله تعالي: "" فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسجدَ الْحَرَامَ ""، ولأنها بعد الفتح فنسخت ما قبلها) .

ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن الأدلة صريحة في نفي النجاسة العينية، مما دل على صحة تأويل الآية الكريمة، وأما دعوى النسخ فيعارضها آية المائدة، حيث لا نسخ بينهما، وهي صريحة في نفي النجاسة، فبتأويل آية التوبة يمكن الجمع بينها وبين آية المائدة، والأحاديث الموافقة لحكمها دون اضطرار لادعاء النسخ.


(١) الإهالة: الشحم والزيت وكل ما ائتدم به.
(٢) انظر نيل الأوطار ١/٢٥-٢٦ وسبل السلام ١ / ٣١: ٣٣، وصحيح البخارى: كتاب الصلاة: باب دخول المشرك المسجد.

<<  <   >  >>