للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنُوفُ ذُو شَنَاتِرَ فَقَتَلَ خِيَارَهُمْ وَعَبَثَ بِبُيُوتِ أَهْلِ الْمَمْلَكَةِ مِنْهُمْ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ حِمْيَرَ للخنيعة:

تَقْتُلُ أَبْنَاءَهَا وَتَنْفِي سَرَاتَهَا ... وَتَبْنِي بِأَيْدِيهَا لَهَا الذّلّ حِمْيَرُ

تُدَمّرُ دُنْيَاهَا بِطَيْشِ حُلُومُهَا ... وَمَا ضَيّعْت مِنْ دِينِهَا فَهُوَ أَكْثَرُ

كَذَلِكَ الْقُرُونُ قَبْلَ ذَاكَ بِظُلْمِهَا ... وَإِسْرَافِهَا تَأْتِي الشّرُورُ فَتَخْسَرُ

وَكَانَ لخنيعة امْرِئِ فَاسِقًا يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَكَانَ يُرْسِلُ إلَى الْغُلَامِ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ فَيَقَعُ عَلَيْهِ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ قَدْ صَنَعَهَا لِذَلِكَ لِئَلّا يَمْلِكُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمّ يَطْلُعُ مِنْ مَشْرَبَتِهِ تِلْكَ إلَى حَرَسِهِ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ جُنْدِهِ قَدْ أَخَذَ مِسْوَاكًا، فَجَعَلَهُ فِي فِيهِ أَيْ لِيُعْلِمَهُمْ أَنّهُ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ حَتّى بَعَثَ إلَى زُرْعَةَ ذِي نُوَاسِ بْنِ تُبّانَ أَسَعْد أَخِي حَسّانَ وَكَانَ صَبِيّا صَغِيرًا حِينَ قُتِلَ حَسّانُ ثُمّ شَبّ غُلَامًا جَمِيلًا وَسِيمًا، ذَا هَيْئَةٍ وَعَقْلٍ فَلَمّا أَتَاهُ رَسُولُهُ عَرَفَ مَا يُرِيدُ مِنْهُ فَأَخَذَ سِكّينًا جَدِيدًا لَطِيفًا، فَخَبَأَهُ بَيْنَ قَدَمِهِ وَنَعْلِهِ ثُمّ أَتَاهُ فَلَمّا خَلَا مَعَهُ وَثَبَ إلَيْهِ فَوَاثَبَهُ ذُو نُوَاسٍ، فَوَجْأَهُ حَتّى قَتَلَهُ. ثُمّ حَزّ رَأْسَهُ فَوَضَعَهُ فِي الْكُوّةِ الّتِي كَانَ يُشْرِفُ مِنْهَا، وَوَضَعَ مِسْوَاكَهُ فِي فِيهِ ثُمّ خَرَجَ عَلَى النّاسِ فَقَالُوا لَهُ ذَا نُوَاسٍ أَرَطْبٌ أَمْ يَبَاسٌ؟ فَقَالَ سَلْ نَخْمَاس اسْتُرْطُبَان ذُو نُوَاسٍ.

ــ

وَذُو شَنَاتِرَ. الشّنَاتِرُ الْأَصَابِعُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ، وَاحِدُهَا: شَنْتَرَةٍ وَذُو نُوَاسٍ١ اسْمُهُ زُرْعَةُ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلْغُلَامِ زَرَعَكَ اللهُ أَيْ أَنْبَتَكَ وَسَمّوْا بِزَارِعِ كَمَا سَمّوْا بِنَابِتِ وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ} [الْوَاقِعَةُ ٦٤] أَيْ تُنْبِتُونَهُ وَفِي "مُسْنَدِ" وَكِيعِ بْنِ الْجَرّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ الْجَبَلِيّ أَنّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرّجُلُ زَرَعْت فِي أَرْضِي كَذَا وَكَذَا، لِأَنّ اللهَ هُوَ الزّارِعُ وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ - مَرْفُوعًا - إلَى النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النّهْيُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا، وَقَدْ تَكَلّمْنَا عَلَى وَجْهِ هَذَا الْحَدِيثِ


١ هُوَ من أذواء الْيمن، وَقيل إِنَّه حكم من سنة /٥١٥م حَتَّى/٥٢٥م وَبِه ختمت سلسلة مُلُوك حمير. أما الخنيعة وَيُسمى"لحيعثت ينف" فَحكم من /٤٨٠-٥٠٠م انْظُر: "تَارِيخ الْعَرَب قبل الْإِسْلَام" ٣/١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>