للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأَيْنَا أُنَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يَعْمَلُونَ فِي عَيْنٍ لَهُمْ وَفِي نَخْلٍ، فَقَالَ لِي عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ هَلْ لَك فِي أَنْ تَأْتِيَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَنَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ؟ قَالَ قُلْت: إنْ شِئْت، قَالَ فَجِئْنَاهُمْ فَنَظَرْنَا إلَى عَمَلِهِمْ سَاعَةً ثُمّ غَشِينَا النّوْمُ. فَانْطَلَقْت أَنَا وَعَلِيّ حَتّى اضْطَجَعْنَا فِي صُورٍ مِنْ النّخْلِ وَفِي دَقْعَاءَ مِنْ التّرَابِ فَنِمْنَا، فَوَاَللهِ مَا أَهَبّنَا إلّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرّكُنَا بِرِجْلِهِ. وَقَدْ تَتَرّبْنَا مِنْ تِلْكَ الدّقْعَاءِ الّتِي نِمْنَا فِيهَا، فَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ "مَا لَك يَا أَبَا تُرَابٍ"؟ لِمَا يَرَى عَلَيْهِ مِنْ التّرَابِ ثُمّ قَالَ "أَلَا أُحَدّثُكُمَا بِأَشْقَى النّاسِ رَجُلَيْنِ"؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ " أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الّذِي عَقَرَ النّاقَةَ وَاَلّذِي يَضْرِبُك يَا عَلِيّ عَلَى هَذِهِ - وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَرْنِهِ - حَتّى يَبُلّ مِنْهَا هَذِهِ وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنّمَا سَمّى عَلِيّا أَبَا تُرَابٍ، أَنّهُ كَانَ إذَا عَتَبَ عَلَى فَاطِمَةَ فِي شَيْءٍ لَمْ يُكَلّمْهَا، وَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا تَكْرَهُهُ إلّا أَنّهُ يَأْخُذُ تُرَابًا فَيَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهِ. قَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَأَى عَلَيْهِ التّرَابَ عَرَفَ أَنّهُ عَاتِبٌ عَلَى فَاطِمَةَ فَيَقُولُ مَا لَك يَا أَبَا تُرَابٍ؟ فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ.

ــ

فَجَعَلَ يَحُثّ التّرَابَ عَنْ جَنْبِهِ وَيَقُولُ قُمْ أَبَا تُرَابٍ وَكَانَ قَدْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ مُغَاضِبًا لِفَاطِمَةَ وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ عَمّارٍ مُخَالِفٌ لَهُ إلّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنّاهُ بِهَا مَرّتَيْنِ مَرّةً فِي الْمَسْجِدِ وَمَرّةً فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ فَاَللهُ أَعْلَمُ.

أَشْقَى النّاسِ

وَذَكَرَ أَشْقَى النّاسِ قَالَ وَهُوَ أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الّذِي عَقَرَ نَاقَةَ صَالِحٍ وَاسْمُهُ قَدَارُ بْنُ سَالِفِ وَأُمّهُ فُذَيْرَةُ وَهُوَ مِنْ التّسْعَةِ رَهْطٍ الْمَذْكُورِينَ فِي سُورَةِ النّمْلِ وَقَدْ ذَكَرْت أَسَمَاءَهُمْ فِي كِتَابِ التّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>