للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَيْ الّتِي أَكَلَتْ الْأَرَاكَ، فَدُمِيَتْ أَفْوَاهُهَا، وَالْمَخَاضُ وَاحِدَتُهَا خَلِفَةٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهَا، وَهِيَ الْحَامِلُ [مِنْ النّوقِ] ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْوَاحِدِ مَاخِضٌ وَمِنْهُ قَوْلُ الطّائِيّ:

وَأَخّرْتهَا عَنْ وَقْتِهَا وَهِيَ مَاخِضُ

وَعِنْدِي أَنّ الْمَخَاضَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِجَمْعِ إنّمَا هُوَ مَصْدَرٌ وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِهِ الْجَمِيعُ وَفِي التّنْزِيلِ {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} [مَرْيَم: ٢٣] وَقَوْلُهُمْ نَاقَةٌ مَاخِضٌ كَقَوْلِهِمْ حَامِلٌ أَيْ ذَاتُ مَخَاضٍ وَذَاتُ حَمْلٍ وَقَدْ يَقُولُ الرّجُلُ لِنِسَائِهِ أَنْتُنّ الطّلَاقُ فَلَيْسَ الطّلَاقُ بِجَمْعِ وَإِنّمَا مَعْنَاهُ ذَوَاتُ طَلَاقٍ وَكَذَلِكَ مَعْنَى الْمَخَاضِ أَيْ ذَوَاتُ مَخَاضٍ غَيْرَ أَنّهُ قِيلَ لِلْوَاحِدَةِ مَاخِضٌ وَلَمْ يَقُلْ نَاقَةٌ مَخَاضٌ أَيْ ذَاتُ مَخَاضٍ كَمَا يُقَالُ امْرَأَةٌ زَوْرٌ وَصَوْمٌ لِأَنّ الْمَصْدَرَ إذَا وُصِفَ بِهِ فَإِنّمَا يُرَادُ بِهِ الْكَثِيرُ وَلَا تَكْثِيرُ فِي حَمْلِ الْوَاحِدَةِ أَلَا تَرَى أَنّك تَقُولُ هِيَ أَصْوَمُ النّاسِ وَمَا أَصْوَمَهَا، وَلَا يُقَالُ إذَا حَبَلَتْ مَا أَحْبَلَهَا، لِأَنّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ كَمَا لَا يُقَالُ فِي الْمَوْتِ مَا أَمْوَتَهَا، فَلَمّا عَدِمَ قَصْدَ التّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ لَمْ تُوصَفْ بِهِ كَمَا لَا تُوصَفُ بِالسّيْرِ إذَا قُلْت: مَا هِيَ الْأَسِيرُ فَإِذَا كَانَتْ إبِلًا كَثِيرَةً حَصَلَ مَعْنَى الْكَثْرَةِ فَوُصِفَتْ بِالْمَخَاضِ وَهُوَ الْمَصْدَرُ لِذَلِكَ فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ يَقُولُ الرّجُلُ أَنْتِ الطّلَاقُ وَأَنْتِ الْفِرَاقُ قُلْنَا: فِيهِ مَعْنَى التّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ وَلِذَلِكَ جَازَ لِأَنّهُ شَيْءٌ يَتَمَادَى وَيَدُومُ لَا سِيّمَا إنْ أَرَادَ بِالطّلَاقِ الطّلَاقَ كُلّهُ لَا وَاحِدَةً وَلِي كَذَلِكَ الْمَخَاضُ وَالْحَمْلُ فَإِنّ مُدّتَهُ مَعْلُومَةٌ وَمِقْدَارُهُ مُؤَقّتٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>