للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ كَانَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ دَخَلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي حِصْنِهِمْ حِينَ رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ، وَفَاءً لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ عَلَيْهِ.

نَصِيحَةُ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ لِقَوْمِهِ

فَلَمّا أَيْقَنُوا بِأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَنْهُمْ حَتّى يُنَاجِزَهُمْ قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ لَهُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنْ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ، وَإِنّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا، فَخُذُوا أَيّهَا شِئْتُمْ قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ قَالَ نُتَابِعُ هَذَا الرّجُلَ وَنُصَدّقُهُ فَوَاَللهِ لَقَدْ تَبَيّنَ لَكُمْ أَنّهُ لَنَبِيّ مُرْسَلٌ وَأَنّهُ لَلّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ فَتَأْمَنُونَ عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ قَالُوا: لَا نُفَارِقُ حُكْمَ التّوْرَاةِ أَبَدًا، وَلَا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ قَالَ فَإِذَا أَبَيْتُمْ عَلَيّ هَذِهِ فَهَلُمّ فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، ثُمّ نَخْرُجْ إلَى مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ رِجَالًا مُصْلِتِينَ السّيُوفَ لَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا ثِقَلًا، حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ فَإِنْ نَهْلِكْ نَهْلِكْ وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا فَلَا نَخْشَى عَلَيْهِ وَإِنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لَنَجِدَنّ النّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ قَالُوا: نَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينَ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ؟ قَالَ فَإِنْ أَبَيْتُمْ عَلَيّ هَذِهِ فَإِنّ اللّيْلَةَ لَيْلَةُ السّبْتِ وَإِنّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَمِنُونَا فِيهَا، فَانْزِلُوا لَعَلّنَا

ــ

كَمَا يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ فِي الْأَلْوَانِ وَالْأَكْوَانِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِالذّوَاتِ وَأَمّا مَا عَدَا هَاتَيْنِ الطّائِفَتَيْنِ مِنْ أَرْبَابِ الْحَقَائِقِ فَلَيْسَ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ عِنْدَهُمْ بِصِفَاتِ أَعْيَانٍ وَإِنّمَا هِيَ صِفَاتُ أَحْكَامٍ وَالْحُكْمُ مِنْ اللهِ تَعَالَى يَحْكُمُ بِالْحَظْرِ فِي النّازِلَةِ عَلَى مَنْ أَدّاهُ وَاجْتِهَادُهُ إلَى الْحَظْرِ وَكَذَلِكَ الْإِبَاحَةُ وَالنّدْبُ وَالْإِيجَابُ وَالْكَرَاهَةُ كُلّهَا صِفَاتُ أَحْكَامٍ فَكُلّ مُجْتَهِدٍ وَافَقَ اجْتِهَادُهُ وَجْهًا مِنْ التّأْوِيلِ وَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ أَدَوَاتِ الِاجْتِهَادِ مَا يَتَرَفّعُ بِهِ عَنْ حَضِيضِ التّقْلِيدِ إلَى هَضْبَةِ النّظَرِ فَهُوَ مُصِيبٌ فِي اجْتِهَادِهِ مُصِيبٌ لِلْحُكْمِ الّذِي تَعَبّدَ بِهِ وَإِنْ تَعَبّدَ غَيْرُهُ فِي تِلْكَ النّازِلَةِ بِعَيْنِهَا بِخِلَافِ مَا تَعَبّدَ هُوَ بِهِ فَلَا يُعَدّ فِي ذَلِكَ إلّا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ الْحَقَائِقَ أَوْ عَدَلَ بِهِ الْهَوَى عَن أوضح الطرائق.

<<  <  ج: ص:  >  >>