للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَائِلَةٍ وَالدّمْعُ سَكْبٌ مُبَادِرُ ... وَقَدْ شَرِقَتْ بِالدّمْعِ مِنْهَا الْمَحَاجِرُ

كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إلَى الصّفَا ... أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكّةَ سَامِرُ

فَقُلْت لَهَا وَالْقَلْبُ مِنّي كَأَنّمَا ... يُلَجْلِجُهُ بَيْنَ الْجَنَاحَيْنِ طَائِرُ

بَلَى نَحْنُ كُنّا أَهْلَهَا، فَأَزَالَنَا ... صُرُوفُ اللّيَالِي، وَالْجُدُودُ الْعَوَاثِرُ

وَكُنّا وُلَاةَ الْبَيْتِ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... نَطُوفُ بِذَاكَ الْبَيْتِ وَالْخَيْرُ ظَاهِرُ

وَنَحْنُ وَلِينَا الْبَيْتَ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... بِعَزّ فَمَا يَحْظَى لَدَيْنَا الْمُكَاثِرُ

مَلَكْنَا فَعَزّزْنَا فَأَعْظِمْ بِمُلْكِنَا ... فَلَيْسَ لِحَيّ غَيْرِنَا ثَمّ فَاخِرُ

أَلَمْ تُنْكِحُوا مِنْ خَيْرِ شَخْصٍ عَلِمْته ... فَأَبْنَاؤُهُ مِنّا، وَنَحْنُ الْأَصَاهِرُ

فَإِنْ تَنْثَنِ الدّنْيَا عَلَيْنَا بِحَالِهَا ... فَإِنّ لَهَا حَالًا، وَفِيّ التّشَاجُرُ

فَأَخْرَجَنَا مِنْهَا الْمَلِيكُ بِقُدْرَةِ ... كَذَلِكَ - يَا لَلنّاسِ - تَجْرِي الْمَقَادِرُ

أَقُولُ إذَا نَامَ الْخَلِيّ، وَلَمْ أَنَمْ ... إذَا الْعَرْشُ لَا يَبْعُدْ سُهَيْلٌ وَعَامِرُ

وَبُدّلْت مِنْهَا أَوْجُهًا لَا أُحِبّهَا ... قَبَائِلُ مِنْهَا حِمْيَرٌ وَيُحَابِرُ

وَصِرْنَا أَحَادِيثًا وَكُنّا بِغِبْطَةِ ... بِذَلِكَ عَضّتْنَا السّنُونَ الْغَوَابِرُ

فَسَحّتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ تَبْكِي لِبَلْدَةِ ... بِهَا حَرَمٌ أَمْنٌ وَفِيهَا الْمَشَاعِرُ

ــ

لِوَجْهِهَا، وَذَهَبَ الْجُهَنِيّانِ إلَى الْمَاءِ فَاسْتَوْطَنَاهُ فَمِنْ هُنَالِكَ صَارَ مَوْضِعَ جُهَيْنَةَ بِالْحِجَازِ وَقُرْبَ الْمَدِينَةِ، وَإِنّمَا هُمْ مِنْ قُضَاعَةَ، وَقُضَاعَةُ: مِنْ رِيفِ الْعِرَاقِ.

غُرْبَةُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ: فَصْلٌ: رَجْعُ الْحَدِيثِ. وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ مُضَاضِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ الرّقِيب بْنِ هَيّ بْنِ نَبْتِ بْنِ جُرْهُمٍ الْجُرْهُمِيّ قَدْ نَزَلَ بِقَنَوْنَا مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، فَضَلّتْ لَهُ إبِلٌ فَبَغَاهَا حَتّى أَتَى الْحَرَمَ، فَأَرَادَ دُخُولَهُ لِيَأْخُذَ إبِلَهُ فَنَادَى عَمْرُو بْنُ لُحَيّ مَنْ وَجَدَ جُرْهُمِيّا، فَلَمْ يَقْتُلْهُ قُطِعَتْ يَدُهُ فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْحَارِثُ وَأَشْرَفَ عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ مَكّةَ، فَرَأَى إبِلَهُ تُنْحَرُ وَيُتَوَزّعُ لَحْمُهَا، فَانْصَرَفَ بَائِسًا خَائِفًا ذَلِيلًا، وَأَبْعَدَ فِي الْأَرْضِ وَهِيَ غُرْبَةُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الّتِي تُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ حَتّى قَالَ الطّائِيّ:

<<  <  ج: ص:  >  >>