للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاسْتَخْفَوْا بِصَلَاتِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ فَبَيْنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ مَكّةَ، إذْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ نَفَرٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ -وَهُمْ يُصَلّونَ - فَنَاكَرُوهُمْ وَعَابُوا عَلَيْهِمْ مَا يَصْنَعُونَ حَتّى قَاتَلُوهُمْ فَضَرَبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِلَحْيِ بَعِيرٍ فَشَجّهُ فَكَانَ أَوّلَ دَمٍ هُرِيقَ فِي الْإِسْلَامِ.

إِظْهَار قومه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَدَاوَة لَهُ، وحدب عَمه أبي طَالب عَلَيْهِ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا بَادَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم قَوْمَهُ بِالْإِسْلَامِ وَصَدَعَ بِهِ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ قَوْمُهُ وَلَمْ يَرُدّوا عَلَيْهِ - فِيمَا بَلَغَنِي - حَتّى ذَكَرَ آلِهَتَهُمْ وَعَابَهَا، فَلَمّا

ــ

وَمِنْهُ قِيلَ صَلّيْت عَلَى الْمَيّتِ أَيْ دَعَوْت لَهُ دُعَاءَ مَنْ يَحْنُو عَلَيْهِ وَيَتَعَطّفُ عَلَيْهِ. وَلِذَلِكَ لَا تَكُونُ الصّلَاةُ بِمَعْنَى الدّعَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا تَقُولُ صَلّيْت عَلَى الْعَدُوّ أَيْ دَعَوْت عَلَيْهِ. إنّمَا يُقَالُ. صَلّيْت عَلَيْهِ فِي مَعْنَى الْحُنُوّ وَالرّحْمَةِ وَالْعَطْفِ لِأَنّهَا فِي الْأَصْلِ انْعِطَافٌ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ عُدّيَتْ فِي اللّفْظِ بِعَلَى، فَتَقُولُ صَلّيْت عَلَيْهِ أَيْ حَنَوْت عَلَيْهِ وَلَا تَقُولُ فِي الدّعَاءِ إلّا: دَعَوْت لَهُ فَتُعَدّي الْفِعْلَ بِاللّامِ إلّا أَنْ تُرِيدَ الشّرّ وَالدّعَاءَ عَلَى الْعَدُوّ فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الصّلَاةِ وَالدّعَاءِ وَأَهْلُ اللّغَةِ لَمْ يُفَرّقُوا، وَلَكِنْ قَالُوا: الصّلَاةُ بِمَعْنَى الدّعَاءِ إطْلَاقًا، وَلَمْ يُفَرّقُوا بَيْنَ حَالٍ وَحَالٍ وَلَا ذَكَرُوا التّعَدّيَ بِاللّامِ وَلَا بِعَلَى، وَلَا بُدّ مِنْ تَقْيِيدِ الْعِبَارَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ يَكُونُ الْحَدَبُ أَيْضًا مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى الْمُخَالَفَةِ إذَا قُرِنَ بِالْقَعْسِ كَقَوْلِ الشّاعِرِ:

وَإِنْ حَدِبُوا، فَاقْعَسْ وَإِنْ هُمْ تَقَاعَسُوا ... لِيَنْتَزِعُوا مَا خَلْفَ ظَهْرِك فَاحْدَبْ

وَكَقَوْلِ الْآخَرِ:

وَلَنْ يُنَهْنِهَ قَوْمًا أَنْتَ خَائِفُهُمْ ... كَمِثْلِ وَقْمِك جُهّالًا بِجُهّالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>