للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض مَا نَالَ أَبَا بكر فِي سَبِيل الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ آلِ أُمّ كُلْثُومٍ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ أَنّهَا قَالَتْ رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ وَقَدْ صَدَعُوا فَرَقَ رَأْسِهِ مِمّا جَبَذُوهُ بِلِحْيَتِهِ وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ الشّعْرِ.

أَشد مَا أوذي بِهِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إنّ أَشَدّ مَا لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ أَنّهُ خَرَجَ يَوْمًا فَلَمْ يَلْقَهُ أَحَدٌ مِنْ النّاسِ إلّا عَذّبَهُ وَآذَاهُ لَا حُرّ وَلَا عَبْدٌ فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَنْزِلِهِ فَتَدَثّرَ مِنْ شِدّةِ مَا أَصَابَهُ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ {يَا أَيّهَا الْمُدّثّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} [الْمُدّثّرِ ١ - ٢] .

ــ

السّبَبُ فِي تَلْقِيبِهِ بِالْمُدّثّرِ وَالنّذِيرِ الْعُرْيَانِ

وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " دَثّرُونِي دَثّرُونِي" فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا الْمُدّثّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر ١ - ٢] . قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَسْمِيَتِهِ إيّاهُ بِالْمُدّثّرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مُلَاطَفَةٌ وَتَأْنِيسٌ وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ إذَا قَصَدَتْ الْمُلَاطَفَةَ أَنْ تُسَمّيَ الْمُخَاطَبَ بِاسْمِ مُشْتَقّ مِنْ الْحَالَةِ الّتِي هُوَ فِيهَا، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ لِحُذَيْفَةَ: "قُمْ يَا نَوْمَانُ" وَقَوْلِهِ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - وَقَدْ تَرِبَ جَنْبُهُ: "قُمْ أَبَا تُرَابٍ" فَلَوْ نَادَاهُ سُبْحَانَهُ وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالِ مِنْ الْكَرْبِ بِاسْمِهِ أَوْ بِالْأَمْرِ الْمُجَرّدِ مِنْ هَذِهِ الْمُلَاطَفَةِ لَهَالَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَمّا بُدِئَ ب {يَا أَيّهَا الْمُدّثّرُ} أَنِسَ وَعَلِمَ أَنّ رَبّهُ رَاضٍ عَنْهُ أَلَا تَرَاهُ كَيْفَ قَالَ عِنْدَمَا لَقِيَ مِنْ أَهْلِ الطّائِفِ مِنْ شِدّةِ الْبَلَاءِ وَالْكَرْبِ مَا لَقِيَ: "رَبّ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك غَضَبٌ عَلَيّ فَلَا أُبَالِي" إلَى آخِرِ الدّعَاءِ فَكَانَ مَطْلُوبُهُ رِضَا رَبّهِ وَبِهِ كَانَتْ تَهُونُ عَلَيْهِ الشّدَائِدُ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَنْتَظِمُ يَا أَيّهَا الْمُدّثّرُ مَعَ قَوْلِهِ {قُمْ فَأَنْذِرْ} وَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>