للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا كَانَ نؤذي بِهِ أَبُو جهل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا نزل فِيهِ:

وَلَقِيَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - فَقَالَ لَهُ وَاَللهِ يَا مُحَمّدُ لَتَتْرُكَنّ سَبّ آلِهَتِنَا، أَوْ لَنَسُبّنّ إلَهَك الّذِي تَعْبُدُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ {وَلَا تَسُبّوا الّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الْأَنْعَامُ ١٠٨] فَذَكَرَ لِي أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفّ عَنْ سَبّ آلِهَتِهِمْ وَجَعَلَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللهِ.

ــ

سَدّ الذّرَائِعِ:

فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي جَهْلٍ لَتَكُفّنّ عَنْ سَبّ آلِهَتِنَا أَوْ لَنَسُبّنّ إلَهَك، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {وَلَا تَسُبّوا الّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الْأَنْعَامُ ١٠٨] الْآيَةَ. وَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيّة فِي إثْبَاتِ الذّرَائِعِ وَمُرَاعَاتِهَا فِي الْبُيُوعِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَذَلِكَ أَنّ سَبّ آلِهَتِهِمْ كَانَ مِنْ الدّينِ فَلَمّا كَانَ سَبَبًا إلَى سَبّهِمْ الْبَارِيَ - سُبْحَانَهُ - نَهَى عَنْ سَبّ آلِهَتِهِمْ فَكَذَلِكَ مَا يَخَافُ مِنْهُ الذّرِيعَةَ إلَى الرّبَا، يَنْبَغِي الزّجْرُ عَنْهُ وَمِنْ الذّرَائِعِ مَا يَقْرُبُ مِنْ الْحَرَامِ وَمِنْهَا مَا يَبْعُدُ فَتَقَعُ الرّخْصَةُ وَالتّشْدِيدُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ وَلَمْ يَجْعَلْ الشّافِعِيّ الذّرِيعَةَ إلَى الْحَرَامِ أَصْلًا، وَلَا كَرِهَ شَيْئًا مِنْ الْبُيُوعِ الّتِي تُتّقَى فِيهَا الذّرِيعَةُ إلَى الرّبَا، وَقَالَ تُهْمَةُ الْمُسْلِمِ وَسُوءُ الظّنّ بِهِ حَرَامٌ وَمِنْ حُجّتِهِمْ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ: إنّمَا الرّبَا عَلَى مَنْ قَصَدَ الرّبَا، وَقَوْلُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: "إنّمَا الْأَعْمَالُ بِالنّيّاتِ، وَإِنّمَا لِكُلّ امْرِئِ مَا نَوَى" فِيهِ أَيْضًا مُتَعَلّقٌ لَهُمْ وَقَالُوا: وَنَهْيُهُ تَعَالَى عَنْ سَبّ آلِهَتِهِمْ لِئَلّا يُسَبّ اللهُ تَعَالَى لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ لِمُؤْمِنِ وَلَا تَضْيِيقَ عَلَيْهِ وَكَمَا تُتّقَى الذّرِيعَةُ إلَى تَحْلِيلِ مَا حَرّمَ اللهُ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُتّقَى تَحْرِيمُ مَا أَحَلّ اللهُ فَكِلَا الطّرَفَيْنِ ذَمِيمٌ وَأَحَلّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا، وَالرّبَا مَعْلُومٌ فَمَا لَيْسَ مِنْ الرّبَا فَهُوَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلطّائِفَتَيْنِ وَالِاحْتِجَاجُ لِلْفَرِيقَيْنِ يَتّسِعُ مِجَالُهُ وَيَصُدّنَا عَنْ مَقْصُودِنَا مِنْ الْكِتَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>