للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَانَ مِنْ الْحَدِيثِ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ مَسْرَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ وَعَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصَرِيّ، وَابْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأُمّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، مَا اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلّ يُحَدّثُ عَنْهُ بَعْضُ مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْرِهِ حِين أُسْرِيَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ فِي مَسْرَاهُ وَمَا ذُكِرَ عَنْهُ بَلَاءٌ وَتَمْحِيصٌ وَأَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللهِ فِي قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ وَثَبَاتٌ لِمَنْ آمَنَ وَصَدّقَ وَكَانَ مِنْ أَمْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى يَقِينٍ فَأُسْرِيَ بِهِ كَيْفَ شَاءَ لِيُرِيَهُ مِنْ آيَاتِهِ مَا أَرَادَ حَتّى عَايَنَ مَا عَايَنَ مِنْ أَمْرِهِ وَسُلْطَانِهِ الْعَظِيمِ وَقُدْرَتِهِ الّتِي يَصْنَعُ بِهَا مَا يُرِيدُ.

ــ

اللّغَةِ قَدْ قَالُوا: سَرَى وَأَسْرَى بِمَعْنَى وَاحِدٍ فَدَلّ عَلَى أَنّ أَهْلَ اللّغَةِ لَمْ يُحَقّقُوا الْعَبّارَةَ وَذَلِكَ أَنّ الْقُرّاءَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي التّلَاوَةِ مِنْ قَوْلِهِ {سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الاسراء:١] وَلَمْ يَقُلْ سَرَى، وَقَالَ {وَاللّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الْفجْر:٤] وَلَمْ يَقُلْ يَسْرِي، فَدَلّ عَلَى أَنّ السّرَى مِنْ سَرَيْت إذَا سِرْت لَيْلًا، وَهِيَ مُؤَنّثَةٌ تَقُولُ طَالَتْ سُرَاك اللّيْلَةَ وَالْإِسْرَاءُ مُتَعَدّ فِي الْمَعْنَى، وَلَكِنْ حُذِفَ مَفْعُولُهُ كَثِيرًا حَتّى ظَنّ أَهْلُ اللّغَةِ أَنّهُمَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ لَمّا رَأَوْهُمَا غَيْرَ مُتَعَدّيَيْنِ إلَى مَفْعُولٍ فِي اللّفْظِ وَإِنّمَا أَسْرَى بِعَبْدِهِ أَيْ جَعَلَ الْبُرَاق يَسْرِي، كَمَا تَقُولُ أَمَضَيْته، أَيْ جَعَلْته يَمْضِي، لَكِنْ كَثُرَ حَذْفُ الْمَفْعُولِ لَقُوّةِ الدّلَالَةِ عَلَيْهِ أَوْ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذِكْرِهِ إذْ الْمَقْصُودُ بِالْخَبَرِ ذِكْرُ مُحَمّدٍ لَا ذِكْرُ الدّابّةِ الّتِي سَارَتْ بِهِ وَجَازَ فِي قِصّةِ لُوطٍ عَلَيْهِ السّلَامُ. أَنْ يُقَالَ لَهُ {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} [هود:٨١] أَيْ فَاسْرِ بِهِمْ وَأَنْ يَقْرَأَ فَأَسْرِ بِأَهْلِك بِالْقِطْعِ أَيْ فَأَسْرِ بِهِمْ مَا يَتَحَمّلُونَ عَلَيْهِ مِنْ دَابّةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَلَمْ يُتَصَوّرْ ذَلِكَ فِي السّرَى بِالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ,

<<  <  ج: ص:  >  >>