للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَابْنَا رَبِيعَةَ يَنْظُرَانِ إلَيْهِ وَيَرَيَانِ مَا لَقِيَ مِنْ سُفَهَاءِ أَهْلِ الطّائِفِ، وَقَدْ لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا ذُكِرَ لِي - الْمَرْأَةَ الّتِي مِنْ بَنِي جُمَحَ فَقَالَ لَهَا: "مَاذَا لَقِينَا من أحمائك؟ "

توجهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ربه بالشكوى:

فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيمَا ذُكِرَ لِي: "اللهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ

ــ

بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِأَنّهَا أُنْثَى، وَعِنْدَ ذِكْرِ الْحَبَلِ الثّانِي لِأَنّ هَذِهِ الْأُنْثَى قَبْلَ أَنْ تَحْبَلَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ رِخْلَى، وَتُسَمّى أَيْضًا حَائِلًا وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ وَقَدْ زَالَ عَنْهَا اسْمُ الْحَبَلِ فَإِذَا حَبَلَتْ وَذَكّرَ حَبَلَهَا وَازْدَوَجَ ذَكّرَهُ مَعَ الْحَالَةِ الْأُولَى الّتِي كَانَتْ فِيهَا حَبَلًا فَرّقَ بَيْنَ اللّفْظَيْنِ بِتَاءِ التّأْنِيثِ وَخُصّ اللّفْظُ الّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأُنْثَى بِالتّاءِ دُونَ اللّفْظ الّذِي لَا يُدْرَى مَا هُوَ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى، وَقَدْ كَانَ الْمَعْنَى قَرِيبًا وَالْمَأْخَذُ سَهْلًا لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الْإِطَالَةِ لَوْلَا مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ تَخْلِيطِهِمْ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْكَلَامِ الْفَصِيحِ الْبَلِيغِ الّذِي لَا يَقْدِرُ قَدْرَهُ فِي الْبَلَاغَةِ إلّا عَالِمٌ بِجَوْهَرِ الْكَلَامِ.

نُورُ اللهِ وَوَجْهُهُ:

فَصْلٌ: وَذَكَرَ دُعَاءَهُ - عَلَيْهِ السّلَامُ - عِنْدَ الشّدّةِ وَقَوْلُهُ "اللهُمّ إنّي أَشْكُو إلَيْك ضَعْفَ قُوّتِي وَقِلّةَ حِيلَتِي" إلَى آخِرِ الدّعَاءِ وَفِيهِ "أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الْكَرِيمِ الّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ" وَيُسْأَلُ عَنْ النّورِ هُنَا، وَمَعْنَى الْوَجْهِ وَإِشْرَاقِ الظّلُمَاتِ أَمَا الْوَجْهُ إذَا جَاءَ ذِكْرُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسّنّةِ فَهُوَ يَنْقَسِمُ فِي الذّكْرِ إلَى مَوْطِنَيْنِ مَوْطِنِ تَقَرّبٍ وَاسْتِرْضَاءٍ بِعَمَلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الْأَنْعَام:٥٢] وَكَقَوْلِهِ {إِلّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [اللَّيْل:٢٠] فَالْمَطْلُوبُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ رِضَاهُ وَقَبُولُهُ لِلْعَمَلِ وَإِقْبَالُهُ عَلَى الْعَبْدِ الْعَامِلِ وَأَصْلُهُ أَنّ مَنْ رَضِيَ عَنْك، أَقْبَلَ عَلَيْك، وَمَنْ غَضِبَ عَلَيْك أَعْرَضَ عَنْك، وَلَمْ يُرِك وَجْهَهُ فَأَفَادَ قَوْلُهُ بِوَجْهِك هَاهُنَا مَعْنَى الرّضَى وَالْقَبُولِ وَالْإِقْبَالِ وَلَيْسَ بِصِلَةِ فِي الْكَلَامِ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِأَنّ قَوْلَهُ ذَلِكَ هُرَاءٌ مِنْ الْقَوْلِ وَمَعْنَى الصّلَةِ عِنْدَهُ أَنّهَا كَلِمَةٌ لَا تُفِيدُ إلّا تَأْكِيدًا لِلْكَلَامِ,

<<  <  ج: ص:  >  >>