للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ قالوا: نريد عمر بن الخطاب الذى صبأ، فقال: لا سبيل إليه فأنا له جار» ، فكرّ الناس وتصدّعوا عنه» *.

وكان ابن مسعود يقول: ما كنّا نقدر أن نصلّى عند الكعبة حتّى أسلم عمر رضى الله عنه. وقال أيضا: كان إسلامه فتحا، وهجرته نصرا، وإمامته رحمة.

وروى ابن شريح بن عبيد عنه أنه قال: خرجت أتعرّض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجدته قد سبقنى إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة «الحاقة» فجعلت أعجب من تأليف القران، قال: فقلت هذا والله شاعر كما قالت قريش. قال: فلما قرأ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ قال: قلت كاهن، كأنه علم ما فى نفسى فقرأ: وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) [الحاقة: ٤٢، ٤٣] إلى اخر السورة، فوقع الإسلام في قلبى كل موقع» . ولعل واقعة سماع القران تعددت قبل إسلامه.

[مسألة الغرانيق وما سمّوه الايات الشيطانية] :

ولما قرأ صلّى الله عليه وسلّم سورة «والنجم» (وكان يرتل قراءته) فلما بلغ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٣٠) [سورة النجم ١٩: ٢٠] ارتصده الشيطان فى سكتة من سكتاته، فألقى عندها: [تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجي] محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنّها من قول النبى صلّى الله عليه وسلّم، وأشاعها، فوقعت في قلب كل مشرك بمكة، وذلت منها ألسنتهم وتباشروا بها، وقالوا: إن محمدا قد رجع إلى ديننا. فلما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اخر سورة النجم «١» سجد وسجد معه كل مشرك غير الوليد بن المغيرة، كان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود، ملأ كفه ترابا سجد عليه، فعجب الفريقان كلاهما في السجود بسجود النبى صلّى الله عليه وسلّم، وعجب المسلمون بسجود المشركين معهم، ولم يكن المسلمون سمعوا ما ألقى الشيطان، كما قاله موسى بن عقبة، وأما المشركون فاطمأنوا إلى رسول الله


* انظر فتح البارى باب إسلام عمر: ح ٣٨٦٤ ص ٢٢٤ ج ٧٢. وفي سيرة ابن هشام خبر قريب مع اختلاف القصة وهو أن قتالا وقع بين عمر وقريش في الكعبة فتكاثروا عليه، فأجاره خاله العاص بن وائل (وانظرها في سيرة ابن هشام) (إسلام عمر بن الخطاب) .
(١) الاية ٦٢ قوله تعالى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا.