للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو بكر- كما في الصحيحين-: «نظرت إلى أقدام المشركين من الغار على رؤوسنا، فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصارنا، فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟» . وكان مكثه صلّى الله عليه وسلّم وأبى بكر في الغار ثلاث ليال، وقيل بضع عشرة يوما*، وروى أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه لما رأى القافة**- جمع القائف- قال: إن قتلت فإنما أنا رجل واحد، وإن قتلت أنت هلكت الأمة، قال صلّى الله عليه وسلّم: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا أى بالمعونة والنصرة فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ أى علي أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه، لا علي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأن السكينة لا تفارقه؛ وهى أمنة تسكن عندها القلوب، وَأَيَّدَهُ أي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بِجُنُودٍ أى ملائكة يصرفون أبصار الكفار عنه.

وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لأبى بكر: «أنت صاحبى في الغار، وصاحبى على الحوض» «١» .

قال الحسن بن الفضيل: من قال إن أبا بكر رضى الله عنه لم يكن صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو كافر؛ لإنكار نص القران، وفي سائر «٢» الصحابة إذا أنكر يكون مبتدعا لا كافرا.

قال بعض النقاد ما معناه: ولما غار الحقّ تعالى علي نبيّه وصاحبه من أعدائهما، أدخلهما غار الحفظ والأمان، وأذهب عنهما الهموم بجميل رعايته والأحزان، كما صرّح بذلك القران: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ [التوبة: ٤٠] فكشف في تلك الخلوة لصدّيقه الحجاب، ودعا له بالبركة من عقبه إلى يوم الحساب، وكان الله معهما في هاتيك الخلوة، والمتجلّى عليهما في تلك الجلوة «٣» ، فصحبهما اسم الجلالة لفظا ومعنى؛ فإنه من حيث اللفظ يقال رسول رسول الله، وخليفة رسول الله، ولم يكن ذلك إلا للصدّيق رضى الله عنه، ومن حيث المعنى


* الصواب: بضعة عشر.
** القافة: الذين يتبعون الأثر.
(١) ورواه الترمذى، والحاكم عن عمر بن الخطاب.
(٢) أى بقية الصحابة.
(٣) موضع تجلّى الله أى ظهور عظيم فضله.