للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتوقف في ذلك، ولعله أمر بذلك بغير الاية المذكورة؛ لأن الاية ظاهرها الإباحة، والمباح ليس مأمورا به، ثم أبيح الابتداء بالقتال حتّى لمن لم يقاتل، لكن في غير الأشهر الحرم التى هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب بقوله تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة: ٥] .

ثم أمر به وجوبا بعد فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة مطلقا من غير تقييد بشرط ولا زمان، بقوله تعالى: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التوبة: ٣٦] أي جميعا في أي زمن، فعلم أن القتال كان قبل الهجرة وبعدها إلي صفر من السنة الثانية محرّما؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم كان في أثناء ذلك مأمورا بالتبليغ، وكان التبليغ إنذارا بلا قتال؛ لأنه نهى عنه، قيل في نيف وسبعين اية، ثم صار مأذونا في قتال من قاتل، ثم أبيح قتال من لم يبدأ بالقتال في غير الأشهر الحرم، ثم أمر بالقتال مطلقا لمن قاتل ومن لم يقاتل في أىّ زمن، سواء في الأشهر الحرم وغيرها، وقيل: إن القتال في الحالة الثانية كان مأمورا به، لا مباحا، كالحالة الأولي.

ثم استقر أمر الكفار مع صلّى الله عليه وسلّم) بعد نزول «براءة» * علي ثلاثة أقسام:

الأوّل: محاربون له صلّى الله عليه وسلّم، وهؤلاء المحاربون إذا كانوا ببلادهم يجب قتالهم علي الكفاية في كل عام مرة، أي يكفى ذلك في إسقاط الحرج كإحياء الكعبة، واستدل لذلك بقوله تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ [التوبة: ١٢٢] أي فهّلا نفر، وقيل: فرض كفاية «١» فى حق الأنصار، وفرض عين «٢» في حق المهاجرين.

الثاني: أهل عهد، وهم المؤمّنون من غير عقد الجزية، أى الذين صالحهم ووادعهم على ألايحاربوه ولا يظاهروا عليه عدوّه، وهم على كفرهم، امنون علي دمائهم وأموالهم وأنفسهم؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ظلم معاهدا أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة» «٣» .


* سورة التوبة.
(١) فرض الكفاية: هو الذي إذا قام به البعض سقط عن الاخرين.
(٢) فرض العين: هو الفرض علي كل المسلمين لا يسقط بأداء البعض له.
(٣) وقال صلّى الله عليه وسلّم: من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما» رواه الإمام أحمد وكثيرون غيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص.