للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإكرام، وظفروا بالشهادة الكبرى والمنزلة الرفيعة في الدنيا والاخرى، ونطق بفضلها أشرف الكتاب، فكان الدعاء بذكرهم يستجاب، وعدّت تلاوة أسمائهم لتدفع كل مهمة، رضى الله عنهم وعن جميع الأمة. وليس في غزواته ما يعدل بها في الفضل ويقرب منها إلا غزوة الحديبية، حيث كانت بيعة الرضوان. ويقال لها: بدر القتال «١» ، وبدر الفرقان «٢» ؛ لأن الله تعالى فرّق فيها بين الحق والباطل، وأظهر الله بها الدين من يومئذ، وقتل فيها صناديد قريش، وذلك أن العير التي خرج صلّى الله عليه وسلّم في طلبها حتّى بلغ العشيرة ووجدها سبقته بأيام، لم يزل مترقبا قفولها من الشام، فلما سمع برجوعها من الشام دعا المسلمين، وقال: «هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها» فانتدب ناس للإجابة واخرون لم يجيبوا لظنهم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يلق حربا، ولم يحتفل لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا اهتم بها، بل قال: «من كان ظهره حاضرا فليركب معنا» .

فكان أبو سفيان حين دنا بالعير من أرض الحجاز يتحسس الأخبار، ويسأل من لقى من الركبان تخوّفا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فبلغه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد استنفر أصحابه للعير، وأنه تركه مقيما ينتظر رجوع العير، فخاف خوفا شديدا، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفارى بعشرين مثقالا ليستنفر قريشا، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لعيرهم هو وأصحابه، فخرج ضمضم سريعا إلى مكة، وقال:

«يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة [أى أدركوا اللطيمة، وهى العير التى تحمل الطيب والبزّ*] أموالكم مع أبى سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها» . فتجهز الناس سراعا حيث أقام أشراف قريش يحضّون الناس علي الخروج، ولم يتخلف من أشرافهم إلا أبو لهب، وبعث مكانه العاص بن هاشم ابن المغيرة، استأجره بأربعة الاف درهم كانت له عليه دينا أفلس بها، وكانوا خمسين وتسعمائة، وقيل ألفا، وقادوا مائة فرس عليها مائة درع سوى دروع


(١) سميت بدر القتال؛ لأن الموقعة حدثت بها، وبدر الفرقان لأن الله فرق بها بين الحق والباطل، وسماها الله تعالى «الفرقان» فى قوله تعالى: يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ [الأنفال: ٤١] .
(٢) سميت بدر القتال؛ لأن الموقعة حدثت بها، وبدر الفرقان لأن الله فرق بها بين الحق والباطل، وسماها الله تعالى «الفرقان» فى قوله تعالى: يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ [الأنفال: ٤١] .
* البزّ: نوع من الثياب، والسلاح.