للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رضى الله عنه، فلما دنا منهم جاء إليهم الخبر فتفرقوا، فهجم علي مشاتهم ورعاتهم، فأصاب من أصاب، وهرب من هرب، ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بساحاتهم فلم يلق بها أحدا، وبعث السرايا فرجعت ولم تلق منهم أحدا، ورجعت كل سرية بإبل، وأخذ محمد بن مسلمة رجلا منهم وجاء به إلي النبى صلّى الله عليه وسلّم، فسأله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهم، فقال: هربوا حيث سمعوا أنك أخذت نعمهم. فعرض صلّى الله عليه وسلّم عليه الإسلام فأسلم.

ورجع صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة ولم يلق حربا.

* وفي رجوعه وادع- أى صالح- عيينة بن حصن، واسمه حذيفة الفزاري: أن يرعى بمحل بينه وبين المدينة ستة وثلاثون ميلا؛ لأن أرضه كانت أجدبت، ولما سمن حافره وخفّه وانتقل إلى أرضه، عدا علي لقاح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالغابة، وقيل له «عيينة» لأنه أصابته لقوة «١» فجحظت عيناه، فسمى عيينة، وعيينة هذا أسلم بعد الفتح وشهد حنينا والطائف، وكان من المؤلّفة «٢» ، ودخل علي النبى صلّى الله عليه وسلّم بغير إذن وأساء الأدب فصبر النبى صلّى الله عليه وسلّم علي جفوته، وقال فيه صلّى الله عليه وسلّم: «إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه» «٣» ، وقيل إن ذلك إنما قيل في مخرمة بن نوفل، ولا مانع من تعدد ذلك. وقد ارتد عيينة بعد ذلك في زمن الصدّيق رضى الله عنه، فإنه لحق بطليحة بن خويلد حين تنبأ وامن به، فلما هرب طليحة أسره خالد بن الوليد رضى الله عنه، وأرسل به إلى الصدّيق في وثاق، فلما دخل المدينة صار أولاد المدينة ينخسونه بالحديد، ويضربونه، ويقولون: أي عدوّ الله كفرت بالله بعد إيمانك، فيقول: والله ما كنت امنت. فمنّ عليه الصديق، فأسلم، ولم يزل مظهرا للإسلام.

* وفي غيبته صلّى الله عليه وسلّم في هذه الغزوة ماتت أم سعد بن عبادة (عمرة بنت مسعود) من المبايعات، وكان ابنها رضى الله عنه معه صلّى الله عليه وسلّم. ولما قدم صلّى الله عليه وسلّم المدينة صلّى


(١) اللّقوة: داء يعرض للوجه يعوجّ منه الشّدق.
(٢) هم جماعة من الصحابة كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يعطيهم من الأموال ليحببهم في الإسلام.
(٣) رواه أبو داود رضى الله عنه، والترمذى عن عائشة بلفظ: «إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه» .