للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صياح ابن الأكوع صرخ بالمدينة: «الفزع الفزع! يا خيل الله اركبي» .

فنادى صلّى الله عليه وسلّم بذلك، كما نادي في غزوة بنى قريظة.

وأوّل من انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الفرسان المقداد بن الأسود رضى الله عنه، وعقد صلّى الله عليه وسلّم لهذا الأمير لواء في رمحه، ثم قال له: اخرج في طلب القوم، ثم عباد بن بشر، وسعد بن زيد رضى الله عنهما، ثم تلاحقت به الفرسان، وأمّر عليهم سعد بن زيد، وكان شعارهم (أي علامتهم التي يعرفون بها في ظلمة الليل، أو عند الاختلاط) : «يا منصور أمت» تفاؤلا بأنّ يحصل لهم النصر بعد موت عدوهم، واستخلف علي المدينة ابن أم مكتوم.

وأقبل صلّى الله عليه وسلّم في المسلمين حتّى نزل بالجبل من ذى قرد، بناحية خيبر، وكان ابن الأكوع قد استنقذ من غطفان أكثر اللقاح، فنحر بلال رضى الله عنه ناقته حينئذ، وقسم صلّى الله عليه وسلّم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونه، وكانوا خمسمائة، وبعث سعد بن عبادة رضى الله تعالى عنه بأحمال تمر، وبعشر من الجزر، فوافت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذى قرد، فقال: «اللهم ارحم سعدا، وال سعد، نعم المرء سعد بن عبادة» .

فقالت الأنصار: هو سيدنا وابن سيدنا، من بيت يطعمون في المحل «١» ويحملون الكلّ ويحملون «٢» عن العشيرة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا في الدين» «٣» . ورجع صلّى الله عليه وسلّم وهو علي ناقته العضباء، وهي «القصوي» ، وهى «الجدعاء» ، ولم يكن بها عضب، ولا جدع، مردفا سلمة ابن الأكوع رضى الله عنه، وأعطى صلّى الله عليه وسلّم سلمة بن الأكوع سهمي الراجل والفارس جميعا مع كونه راكبا، وهذا استدل به من يقول: إن للإمام أن يفاضل فى الغنيمة، وهو مذهب الإمام أبى حنيفة، وإحدى الروايتين عن أحمد.


(١) أى يطعمون في الجدب.
(٢) فى الأصل «ويحمون» والتصحيح من السيرة الحلبية والمعنى: يتحملون الحمالات عن العشيرة لكرمهم.
(٣) ورواه البخارى عن أبى هريرة بلفظ «خياركم» بدل «خيار الناس» .