للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفصل التاسع في ظواهر السنة التاسعة وما فيها من الغزوات]

* وفي هذه السنة كانت غزوة تبوك، وهى اخر غزواته، وتبوك [بفتح التاء المثناة الفوقية وضم الباء المواحدة وسكون الواو وبعدها كاف] فى طرف الشام من جهة القبلة، بينها وبين المدينة المشرّفة نحو أربع عشرة مرحلة، سميت الغزوة بعين تبوك، وهى العين التي أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ألايمسّوا من مائها شيئا حتي يأتى صلّى الله عليه وسلّم إليهم، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنكم ستأتون غدا إن شاء الله تعالى عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتّى يضحى النهار، فمن جاء بها فلا يمسّ من مائها شيئا حتي اتي» ، قال معاذ: فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان من المنافقين، والعين مثل الشراك تبضّ بشيء قليل من الماء، فسألهما النبى صلّى الله عليه وسلّم: هل مسستما من مائها شيئا؟ فقالا: نعم، فقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم أمر برفع ماء منها، فرفعوا له من تلك العين قليلا، حتى اجتمع شيء، ثم غسل صلّى الله عليه وسلّم فيه وجهه ويديه، ثم أعاده فيها، فجاءت العين بعد ذلك بماء كثير ببركة النبى صلّى الله عليه وسلّم، فاستقى الناس وكفاهم.

ويقال لها غزوة العسرة، سميت بذلك لوقوعها في زمن الحر، والبلاد مجدبة والناس في عسر، ويقال لها: الفاضحة؛ لافتضاح المنافقين فيها.

وحض صلّى الله عليه وسلّم من عنده من المسلمين على الجهاد، ورغّبهم فيه، وأمرهم بالصدقة، فجاؤا بصدقات كثيرة، وكان أوّل من جاء بها أبو بكر، جاء بماله كله [أربعة الاف درهم] وجاء عمر بنصف ماله، وجاء العباس بن عبد المطلب بمال كثير، وجاء طلحة بمال، وجاء عبد الرحمن بن عوف بمائتى أوقية من الفضة، وجاء سعد بن عبادة بمال، وجاء محمد بن مسلمة بمال، وجاء عاصم بن عدى بتسعين وسقا من تمر، وجهّز عثمان بن عفان ثلث ذلك الجيش، وكفاهم مئونتهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يضر عثمان بن عفان ما فعل بعد اليوم» «١» .


(١) وخرجه الترمذى وأحمد بلفظ: «ما على عثمان بعد هذه؟ (كررها مرتين) » كذا في الرياض النضرة.