للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك جاء المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون، وكانوا فوق الثمانين رجلا، فتقبّل منهم النبى صلّى الله عليه وسلّم علانيتهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى.

ثم جاءه كعب بن مالك، وكان قد تقدّمه مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، فسألهم عن سبب تخلفهم، فاعترفوا ألاعذر لهم، فأمرهم بالمضيّ حتي يقضى الله فيهم، ونهى صلّى الله عليه وسلّم عن كلامهم من بين من تخلف عنه، فاجتنبهم الناس، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فلبثوا علي ذلك خمسين ليلة، ولما مضت أربعون ليلة من الخمسين أمرهم النبى صلّى الله عليه وسلّم باعتزال نسائهم، وجاءت امرأة هلال إليه صلّى الله عليه وسلّم لتستأذنه في خدمة هلال، فأذن لها من غير أن يقربها.

فلما مضت خمسون ليلة من حين النهى عن كلامهم نزلت توبتهم، فأخبر النبى صلّى الله عليه وسلّم بتوبة الله عليهم، وذهب الناس يبشرونهم، وجاء كعب إلى النبى صلّى الله عليه وسلّم وهو «١» يبرق وجهه من السرور، فقال له صلّى الله عليه وسلّم: أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك، فقال: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله عز وجل؟ فقال: بل من عند الله عز وجل. وأنزل الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ [التوبة: ١١٧] إلى قوله تعالى: وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: ١١٩] . قال كعب: فو الله ما أنعم الله عليّ نعمة قط بعد أن هدانى للإسلام أعظم في نفسى من صدقى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأن أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه، فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي:

سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ [التوبة: ٩٦] إلى قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [التوبة: ٩٥] .

وأما ما ورد «هجر المسلم أخاه فوق ثلاثة أيام حرام» «٢» محلّه إذا كان لحظوظ


(١) الضمير يرجع إلى النبى صلّى الله عليه وسلّم.
(٢) ورواية مسلم عن ابن عمر: «لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام» . وروى ابن نافع رحمه الله قوله عليه الصلاة والسلام: «هجر المسلم كسفك دمه» . وروى الإمام أحمد والبخارى ومسلم وأبو داود والترمذي: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذى يبدأ بالسلام» وفي رواية ... «لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث، فليأته فليسلّم عليه، فإن ردّ السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يردّ السلام فقد باء بالإثم» رواه أبو داود. وفي رواية: «لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار» .