للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرسالة من ذلك الجناب الرفيع العزيز، فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان صلّى الله عليه وسلّم أجود ما يكون في رمضان لكثرة لقائه جبريل عليه السلام، وقيل: معنى «لنثبت به فؤادك» لنحفظه، ففرّق عليه ليثبت عنده حفظه.

وقد اختلف: هل في القراءة شيء أفضل من شيء؟ فقيل: لا، وعليه الأشعرى والقاضى وأبو بكر الباقلانى؛ لأن الأفضل يشعر بنقص المفضول، وكلامه تعالى حقيقة واحدة لا نقص فيه، وقيل: نعم، لظواهر الأخبار، كخبر: «ألا أعلّمك بأعظم سورة في القران؟» «١» ، وخبر «إنّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القران» «٢» والتفضيل يرجع إلى عظم الأجر والثواب، وإلى اللفظ لا إلى الصفة؛ لأن ما تضمنته نحو اية الكرسى وسورة الإخلاص ليس موجودا في نحو تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ والتحقيق: أنه لا خلاف في المعنى، بل الأوّل محمول علي ذات القران وحقيقته، والثانى على غيرها كما علمت، قاله شيخ الإسلام.

وسميت السورة سورة لقطعها من السورة الاخرى، إذ السور: القطع، فلما قرن بعض السور ببعض سمّي المجموع قرانا، كما يسمّى بعضه قرانا لذلك أيضا، قاله شيخ الإسلام في شرحه على البخارى.

وقد روى أنّ الله تعالى أنزل القران دفعة إلى السماء الدنيا، فوضع في بيت العزة، فحفظته الحفظة، وكتبته الكتبة، ثم نزل منها بلسان جبريل إلى النبى صلّى الله عليه وسلّم شيئا فشيئا بحسب المصالح.

فإن قيل: ما قدر المنزّل؟ أجيب بأنه كان على حسب المصالح قلة وكثرة، فربما نزل العشر من الايات، كما صح في قصة الإفك، وأوّل سورة المؤمنين، ونزول الخمس منها، ونزول بعض اية كما صحّ في نزول غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ «٣» واحدها، وهى بعض اية.


(١) رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائى وابن ماجه، ومالك في موطئه، وهو حديث فيه طول: بخصوص سورة الفاتحة، وانظر ابن كثير في التفسير.
(٢) رواه الإمام أحمد، والنسائى في اليوم والليلة، وغيرهما من الرواة كثير.
(٣) النساء: من الاية ٩٥.