للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بها إلى الماء حاجة، لقد شربت بالأمس- وجعل أهل العير يقولون: هذا شيء ما صنعته معنا منذ خرجنا، وغشيتهم تلك الليلة الظلمة حتى ما يبصر أحد منهم شيئا. فأصبح أبو سفيان ببدر قد تقدم العير وهو خائف من الرصد، فضرب وجه عيره فساحل بها [ (١) ] ، وترك بدرا يسارا وانطلق سريعا، وأقبلت قريش من مكة ينزلون كل منهل، يطعمون الطعام من أتاهم وينحرون الجزر. وهمّ عتبة وشيبة أن يرجعا ثم مضيا وقد عنفهما أبو جهل.

[رؤيا جهيم بن الصلت]

فلما كانوا بالجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف في منامه رجلا أقبل على فرس معه [ (٢) ] بعير حتى وقف عليه فقال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وزمعة بن الأسود، وأمية بن خلف، وأبو البختري، وأبو الحكم، ونوفل بن خويلد، في رجال سماهم. وأسر سهيل بن عمرو، وفرّ الحارث بن هشام، وقائل يقول: واللَّه إني لأظنكم [ (٣) ] إلى مصارعكم، ثم رآه كأنه ضرب في لبّة [ (٤) ] بعيره فأرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه بعض دمه.

فشاعت هذه الرؤيا في العسكر، فقال أبو جهل: هذا نبيّ آخر من بني المطلب: سيعلم غدا من المقتول، نحن أو محمدا وأصحابه.

[نجاة عير قريش وإصرار النفير على البقاء ببدر]

وأتاهم قيس بن امرئ القيس من أبي سفيان يأمرهم بالرجوع، ويخبرهم أن قد نجت عيرهم: فلا تجزروا [ (٥) ] أنفسكم أهل يثرب، فلا حاجة لكم فيما وراء ذلك، إنما خرجتم لتمنعوا العير وأموالكم، وقد نجاها اللَّه. فعالج قريشا فأبت الرجوع وردوا القيان من الجحفة. وقال أبو جهل: لا واللَّه لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم


[ () ] قال تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ من الآية ١٧/ الكهف. أي تميل.
[ (١) ] أي قصد بها الساحل.
[ (٢) ] في (ط) «ومعه» .
[ (٣) ] في (خ) «لا أظنكم» .
[ (٤) ] اللبة من عنق البعير فوق صدره ومنها يذبح.
[ (٥) ] أي لا تجعلوا أنفسكم ذبائح لأهل مكة.