للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وأما ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق وجازه بأصحابه]

فقد ورد أن بين السماء والأرض بحرا مكفوفا، تكون بحار الأرض بالنسبة إليه كالقطرة بالنسبة إلى البحر المحيط، فعلى هذا يكون ذلك البحر قد انفلق لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم حتى جاوزه ليلة الإسراء، وذلك أعظم وأفخم من انفلاق بحر القلزم لموسى عليه السلام.

وقد أوتي نظير ما أوتى موسى من ذلك: أن العلاء بن الحضرميّ رضي اللَّه عنه، لما كان بالبحرين واضطر إلى عبور البحر، فعبر هو ومن معه من المسلمين، ولم يبتل لهم ثوب ببركة اتباعهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كما سيأتي ذكره إن شاء اللَّه بطرقه.

وأما بياض يد موسى عليه السلام من غير سوء- وهو النور- فنظيره لنبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم أنه نور ينقل في الأصلاب، كما مرّ أنه كان نورا في جبهة أبيه عبد اللَّه ابن عبد المطلب.

ولما بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الطفيل بن عمرو الدوسيّ يدعو قومه إلى الإسلام، دعي له فسطع نور بين عينيه فقال: يا رسول اللَّه! أخاف أن يقولوا مثله؟ فتحول النور إلى رأس سوطه، وكان كأنه شمعة [مضيئة] [ (١) ] آية للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم، فكانت كاليد البيضاء، وصارت كعصا موسى التي ذكر في الأخبار أنها كانت تضيء.

وأما تفجير الماء من يده صلّى اللَّه عليه وسلم فهو بياض معنوي، فأيّ يد بيضاء أغنى غناء وأبيض ماء من يد كان البحر في الإحسان دونها، والسحب تضاهي معينها؟

وقد ذكر أيضا أن عصا موسى عليه السلام هزم بها الألوف من قوم فرعون، وقد أتى اللَّه تعالى نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم أعجب من ذلك،

إذ تناول يوم حنين كفا من تراب أو حصى، ورمى به في وجوه هوازن، وقال: شاهت الوجوه،

فلم يبق أحد منهم إلا أصاب عينه شيء من ذلك، وولوا منهزمين.

وكان من كرامة موسى المناجاة، ولكنها عن ميعاد واستعداد، وكرامة المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم بالمناجاة كانت على سبيل المفاجأة، بدليل

قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: (بينا أنا) [ (٢) ] .

وأما


[ (١) ] زيادة للبيان.
[ (٢) ] بداية كثير من الأحاديث النبويّة.