للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[الناسخ والمنسوخ]]

وأما النسخ فإنه إذا أطلق يراد به شيئان:

أحدهما: بمعنى التحويل والنقل، ومنه نسخ الكتاب، وهو أن يحول من كتاب إلى كتاب، فعلى هذا الوجه جميع القرآن منسوخ، لأنه نسخ من اللوح المحفوظ، وأنزل إلى بيت العزة في سماء الدنيا، وهذا لا مدخل له في قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ [نُنْسِها] [ (١) ] الآية، ومنه قوله تعالى: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ (٢) ] ، أي نأمر بنسخة وإثباته.

والثاني: يكون بمعنى الرفع والإزالة، وهو على ضربين: أحدهما: رفع الشيء وزواله، ومنه قولهم: نسخت الشمس الظل، وانتسخته: أي أزالته وذهبت به وأبطلته، [و] [ (٣) ] [نسخت الريح آثار الدار، ومن هذا المعنى قوله تعالى:] [ (٣) ] فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ [ (٤) ] ، أي يزيله بلا شيء، ولا يثبت في المصحف بدله، وزعم أبو عبيد أن هذا النسخ الثاني كان ينزل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم السورة فترفع ولا تتلى ولا تكتب، فعلى القسم الأول يكون بعض القرآن ناسخا، وبعضه منسوخا، وهو المراد من قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ [نُنْسِها] [ (٣) ] نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها [ (١) ] .

وقد اختلف في القرآن، هل نسخ منه ما ليس في مصحفنا اليوم أو لا؟ فمن قال نسخ منه شيء جعل النسخ على ثلاثة أوجه:

أحدها: ما نسخ خطه وحكمه وحفظه، فنسي: يعنى رفع خطه من المصحف وليس حفظه على وجه التلاوة، ولا يقطع بصحته على اللَّه تعالى، ولا يحكم به اليوم أحد، وذلك نحو ما روي أنه كان يقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم. ومنها قوله: لو أن لابن آدم واديا من ذهب [لا بتغى] [ (٥) ] إليه ثانيا ولو أن له ثانيا [لا بتغى] [ (٥) ] إليه ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم


[ (١) ] البقرة: ١٠٦.
[ (٢) ] الجاثية: ٢٩.
[ (٣) ] زيادة للسياق.
[ (٤) ] الحج: ٢٥.
[ (٥) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .