للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[القراءات المشهورة]]

وأما القراءات المشهورة، فإنّها أربع قراءات غير هذه القراءات السبعة، منسوبة لثلاثة من الأئمة وهم: أبو جعفر، وابن محيصن، ويعقوب، وخلف. وقد اختلف في قراءة أبي جعفر وابن محيصن ويعقوب وخلف وشبههم، هل هي من الشواذ أم من المتواتر أم قسم ثالث؟ فذهب أبو عمر بن أبي بكر بن يونس بن الحاجب، والشيخ محيي الدين أبو زكريا يحيي بن شرف بن مري النووي، وأبو عمرو عثمان ابن عبد الرحمن بن عثمان بن الصلاح، وغيرهم إلى تحريم القراءة بالشواذ، وهي عندهم ما عدا القراءات السبع.

وهذه مسألة تكلم فيها أهل الكلام والفقهاء، فتكلم أهل الكلام فيها من جهة كونها قرآنا، وأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وتكلم فيها الفقهاء من جهة أنه إن كان قرآنا صحت به الصلاة وتعليق الإيمان وغير ذلك، وإلا فلا. ولقائل أن يقول:

لا ريب أن أبا جعفر يزيد بن القعقاع أحد العشرة، وشيخ نافع، كان من سادات التابعين، وأخذ قراءته عن ابن عباس وأبي هريرة، وصلّى بعبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنه، ولم يكن من هو بهذه المثابة ليقرأ كتاب اللَّه تعالى بشيء محرم قراءته، وكيف وقد تلقن القرآن بمدينة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم غضا رطبا، قبل أن تطول الأسانيد، ويدخل فيها النقلة غير الضابطين، هذا، وهم عرب آمنون من اللحن.

ولم تزل قراءة الأئمة متداولة في أمصار الإسلام، حتى اختار أبو بكر بن مجاهد هؤلاء السبعة وسمّاهم، فغلب الكسل، وقصرت الهمم على بعض الناس، وأراد اللَّه تعالى نقص العلم، فاقتصروا على السبعة، ثم اقتصروا من السبعة في هذه البلاد على السبعة المعينة، ثم اقتصروا من السبعة المعينة على الطريقة المشهورة اليوم التي ذكرناها.

وقد كان شيخ شيوخنا العلامة [جمال] [ (١) ] الدين أبو حيان رحمه اللَّه يقول: دخلت هذا البلد- يعني مصر- وغالب من فيها يظن أن السبعة ما في الشاطبية [ (٢) ] فقط، حتى أخبرته بما صنف الناس في السبعة، وأن في كتبهم أشياء تخالف ما في الشاطبية فرجع عن ذلك.


[ (١) ] ما بين الحاصرتين مطموسة في (خ) ، وأثبتناها من (المقفى الكبير) : ٧/ ٤٢٦، ترجمة رقم (٣٦٣٠) .
[ (٢) ] هي المنظومة التي سبق الإشارة إليها نسبة إلى الإمام الشاطبي المعروفة باسم (حرز الأماني ووجه التهاني) وقد سبق أن أشرنا إليها تفصيلا.